للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن التمكين في الأرض باطنا وظاهرا ليس مستلزما لولاية اللَّه تعالى، بل قد يكون ولي اللَّه متمكنا ذا سلطان، وقد يكون مستضعفا إلى أن ينصره اللَّه، وأما الغلبة فإن اللَّه تعالى قد يُديل الكافرين على المؤمنين تارة، كما يديل المؤمنين على الكافرين، كما وقع للصحابة رضوان اللَّه عليهم مع عدوهم لكن العاقبة للمتقين، وإذا كان في المسلمين ضعفٌ، وكان عدوهم مستظهرا عليهم، كان ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم، إما لتفريطهم في أداء الواجبات باطنا وظاهرا، وإما لعدوانهم بتعدي الحدود باطنا وظاهرا (١).

ومن الأحاديث الدالة على التمكين للإسلام وأهله في الأرض، قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخله اللَّه كلمة الإسلام، بعز عزيز، أو ذل ذليل، إما يعزهم اللَّه عز وجل فيجعلهم من أهلها، أو يذلهم فيدينون لها) (٢).

وقد بشرنا الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام بالتمكين في الأرض فقال: (بَشِّرْ هذه الأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ والدين (٣) وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ في الأَرْضِ فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الآخِرَةِ لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ في الآخِرَةِ نَصِيبٌ) (٤). ولعل فيما مضى من الأدلة ما يكفي للدلالة على استحالة وعدم إمكانية وقوع الاستضعاف الكلي للأمة الإسلامية كلها في الأرض.


(١) انظر: الفتاوى، ١١/ ٦٤٤ - ٦٤٥.
(٢) أخرجه أحمد، ٦/ ٤، برقم: ٢٣٨٦٥، وأخرجه الحاكم في المستدرك، رقم: ٨٣٢٤، وقال: "حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ٤/ ٤٧٦، والإيمان، محمد بن إسحاق بن منده، تحقيق د. علي الفقيهي، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط ٢، ١٤٠٦ هـ، ٢/ ٩٨١، وقال: "إسناده حسن"، قال الهيثمي في مجمع الزوائد ٦/ ١٤: "أخرجه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح".
(٣) "بالسناء: بالفتح والمدّ ارتفاع المنزلة والقدر، والدين أي: التمكن فيه، والرفعة أي: العلو في الدارين"، التيسير بشرح الجامع الصغير، ١/ ٤٣٣.
(٤) أخرجه أحمد، رقم: ٢١٢٥٨، ٥/ ١٣٤، والحاكم في المستدرك، رقم: ٧٨٦٢، ٤/ ٣٤٦، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه".

<<  <   >  >>