للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الحديث النبوي الصحيح (١) دالة -في نهاية المطاف- على الوحدة المصدرية نفسا وبدنا. فهما في ذلك سواء! وتدبر الآية مرة أخرى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً}.

النفس الواحدة:

تلك النفس، التي ذكرها الله جل علاه في غير ما موضع من القرآن العظيم، التي لا تحمل في الأصل صفة جنسية، لا ذكورة ولا أنوثة. وهذا أمر عجيب حقا. فلا الرجل ولا المرأة يمكنه أن يزعم أنه الأصل. وكون آدم -عليه السلام- أسبق في الخلق لا يعنى أنه الأصل. فهو الأصل بالمعنى الزمني، وليس الأصل بالمعنى الوجودي، ولا كذلك حواء. وليس الأمر كما زعم بعضهم أن المرأة فرع عن الرجل، ولا أن الرجل فرع عن المرأة، كما جاء عند صاحبة كتاب (الأنثى هي الأصل) (٢)! وإنما هي النفس التي لا تحمل أي سيماء جنسية. إنها (نفس واحدة) على حد تعبير القرآن كما رأيت: (مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ). وفي هذا من التساوي الوجودي ما فيه. وأما التأنيث الوارد في صيغتها فإنما هو على عادة الاستعمال اللغوي العربي، ليس إلا. على نحو ما تقصده العرب في صيغها الصرفية، التي قد تؤنث وتذكر؛ لغير أنوثة جنسية ولا ذكورة. كما في تأنيثهم الشمس وتذكيرهم القمر. والقرآن نزل بلغة


(١) وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيرا؛ فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا) (متفق عليه). وليس الاعوجاج في هذا السياق وصمة ذم كما يظنه بعض العوام، بل هو بيان الطبع العاطفي الجارف للمرأة، وما يعتريه من تقلب وميلان، كما اقتضته حكمة الله في خلق الأنثى؛ لتكون زوجة وأُمّاً تفيض بالحب والحنان. ولذلك جاء في سياق (الاستيصاء بالخير)، ولا يستوصى إلا بمحبوب، فتأمل!
(٢) الدكتورة نوال السعداوي

<<  <   >  >>