للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ومن هنا قول شيخ الإسلام ابن تيمية: (فالنفس بفطرتها إذا تركت كانت مقرة لله بالالهية؛ محبةً له، تعبده لا تشرك به شيئا. ولكن يفسدها ما يزين لها شياطين الإنس والجن، بما يوحى بعضهم إلى بعض من الباطل. قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} ... الآية) (١).

ثانيا: قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لما خلق الله آدم مسح ظهره؛ فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، ثم جعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصا من نور، ثم عرضهم على آدم، فقال: أي رب! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك! فرأى رجلا منهم أعجبه نور ما بين عينيه، فقال: أي رب! من هذا؟ قال: رجل من ذريتك في آخر الأمم يقال له داود، قال: أي رب كم عمره؟ قال: ستون سنة، قال: فزده من عمري أربعين سنة! قال: إذن؛ يكتب ويختم، ولا يبدل! فلما انقضى عمر آدم جاء ملك الموت، فقال [يعني آدم]: أوَ لم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: أوَ لم تعطها ابنَك داود؟ [وجَحَد آدمُ] فجحدت ذريته، ونسي آدم فنسيت ذريته، وخطئ آدم فخطئت ذريته!) (٢).

فالحديث دال على أن الله خاطب الأنفس، وهي آنئذ لا تزال في عالم الذَّرِّ، أي نسمات في صلب آدم عليه السلام. وذلك قوله صلى الله عليه وسلم في النص: (فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة). فاسم الفاعل (خالقها) دال في هذا السياق على الاستقبال. كأنه قال: (سيخلقها)، والمقصود بالخلق هنا الخلق النهائي بخلق النفس في الجسم. لأن النفس آنئذ لا تزال في عالم الذر نسمةً. كما أنه دال على أن لها صورة نفسانية لا جسمية. ودليله من النص قوله: (ثم جعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصا من نور، ثم


(١) مجموع الفتاوى: ١٤/ ٢٩٦.
(٢) رواه الترمذي والحاكم، وصححه الألباني انظر حديث رقم: ٥٢٠٨ في صحيح الجامع.

<<  <   >  >>