للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تتناول علاقة الكلمات بعضها ببعض وموقعها في السياق، وكانت نظرية النظم التي صاغها أحد نقادنا وبلاغيينا القدامى الأفذاذ "عبد القاهر الجرجاني" في كتابه (دلائل الإعجاز) من أبرز منجزات الفكر النقدي العربي على مدى العصور.

ثانيًا: الربط الكلي: وهو يتجاوز الكلمات والجمل إلى تلاحم الفقرات وتماسكها في نسق كل شامل على مستوى النص، وتحقيق ذلك ليس بالأمر الهين ولا اليسير، والربط الكلي يعالج على مستوت متعددة، فهو مناط الوحدة الفنية في الأجناس الأدبية المختلفة وفقًا للقواعد والأصول لكل فن.

الربط بين الكلمات:

من الأمور التي شَغَلَتْ أذهان النقاد والأدباء منذ وقت مبكر قضية الربط بين الكلمة وما جاورها في السياق، فكان مما أشاروا إليه الكلمة المتمكنة، والكلمة القلقة النابية، وعابوا على الكلام وهن العلاقة بين مفرداته، ومن أوائل من عالج هذه القضية "الجاحظ" في (البيان والتبيين) حيث قال: "وكذلك حروف الكلام وأَجْزَاءُ البيت من الشعر تَرَاهَا مُتَّفِقَةً ملساء، ولينة المعاطف سهلة، وتراها مختلفة متباينة، ومتنافرة مستكرهة"١. وقد عرض عبد القاهر الجرجاني أحد أئمة البلاغة لهذه المسألة عرضًا مفصلًا فاستحدث نظرية النظم التي أكد فيها أهمية مُلَاءمة معنى المفردة لجاراتها وفضل مؤانستها لأخواتها٢ على حد تعبيره.

ولكن إدراك ذلك ليس بالأمر السهل على غير الذين ر اضوا صياغة الكلام وتمرسوا بأساليبه، لذلك وقع في المحاذير بعض الشعراء من الفحول، وقد أشار بعض الباحثين إلى أن مرجع ذلك إلى ما يعتري النفس من فتور عند معالجة


١ الجاحظ: البيان والتبيين، تحقيق عبد السلام هارون، ج١ ص ٨٩.
٢ عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص٣٢.

<<  <   >  >>