للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقول الشاعر:

زعم العواذل أنني في غمرة١. ... صدقوا ولكن غمرتي لا تنجلي٢.

فكأنَّ المتلقي يسأل بعد الجمل الأولى: فما رأيك؟

وفي قول الشاعر:

وقال إني في الهوى كاذب ... انتقم الله من الكاذبِ

وقد أشار عبد القاهر الجرجاني إلى ما تثير هذه الأساليب في النفس

إن الجملة الأولى تبعث الخواطر والهواتف فتأتي الثانية لتجيب عنها، وكأن بذرة الجملة الثانية مضمرة في الأولى، وهكذا يتوالد الكلام وتتناسل الجمل.

وقد استشرف البلاغيون العلل والأسباب التي تثيرها الأسئلة في الجملة الأولى فوجدوا أن التساؤل قد يكون عن العلة المطلقة، أي السبب العام كقول المعري:

وقد غرضت من الدنيا فهل زمني ... معطٍ حياتي لِغرٍ بعد ما غرضا٣

جربتْ دهري وأهليه فما ترَكَتْ ... ليَ الحوادثُ في ود امرئ غرضًا

ففي البيت الأول شكوى من الحياة وخصوصًا لمن أوتي حظًا من الحكمة والتعقل، الشاعر يتمنى أن يكون ما تبقى من حياته من نصيب غافل غير مشتاقٍ إلى الدنيا


١ الغمرة: المحنة
٢ تنجلي تنكشف تزول
٣ عرضت: أصبحت هدفًا والغِر الجاهل

<<  <   >  >>