للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْقَضَاءُ لِعَدَمِ التَّفْرِيطِ.

(قَوْلُهُ وَقَضَاءُ شَهْرِ رَمَضَانَ إنْ شَاءَ فَرَقَّهُ وَإِنْ شَاءَ تَابَعَهُ) لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] لَكِنَّ الْمُتَابَعَةَ مُسْتَحَبَّةٌ مُسَارَعَةً إلَى إسْقَاطِ الْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ جِنْسَ الصِّيَامَاتِ كُلِّهَا أَحَدَ عَشَرَ نَوْعًا ثَمَانِيَةٌ مِنْهَا فِي الْقُرْآنِ أَرْبَعَةٌ مُتَتَابِعَةٌ وَأَرْبَعَةٌ إنْ شَاءَ تَابَعَهَا وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَهَا وَثَلَاثَةٌ لَا ذِكْرَ لَهَا فِي الْقُرْآنِ وَإِنَّمَا ثَبَتَتْ بِالسُّنَّةِ فَالْأَرْبَعَةُ الْمُتَتَابِعَةُ صَوْمُ رَمَضَانَ وَصَوْمُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَصَوْمُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَصَوْمُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الَّتِي هُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَصَوْمُ فِدْيَةِ الْحَلْقِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ} [البقرة: ١٩٦] وَصَوْمُ الْمُتْعَةِ وَصَوْمُ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الَّتِي غَيْرُ مَذْكُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ صَوْمُ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ ثَبَتَتْ مُتَتَابِعًا بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلَّذِي وَاقَعَ امْرَأَتَهُ فِي رَمَضَانَ «صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ» وَصَوْمُ التَّطَوُّعِ وَصَوْمُ النَّذْرِ وَجَبَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ مُعَيَّنٌ وَمُطْلَقٌ فَالْمُعَيَّنُ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَهْرِ كَذَا وَيُعَيِّنُهُ أَوْ صَوْمُ أَيَّامٍ يُعَيِّنُهَا فَيَلْزَمُهُ التَّتَابُعُ سَوَاءٌ ذَكَرَ التَّتَابُعَ أَوْ لَا فَإِنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْهُ قَضَاهُ وَلَا يَسْتَقْبِلُ وَأَمَّا الْمُطْلَقُ إنْ ذَكَرَ التَّتَابُعَ فِيهِ لَزِمَهُ وَكَذَا إذَا نَوَاهُ حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْهُ اسْتَقْبَلَ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ التَّتَابُعَ وَلَمْ يَنْوِهِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَابَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ أَخَّرَهُ حَتَّى دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ آخَرُ صَامَ رَمَضَانَ الثَّانِي) لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الصَّوْمُ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ وَقَضَاءُ الْأَوَّلِ بَعْدَهُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَى التَّرَاخِي حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ.

(قَوْلُهُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ) .

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ أَخَّرَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَانَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ لِكُلِّ يَوْمٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ.

(قَوْلُهُ وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إنْ خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدَيْهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا) وَالْمُرَادُ مِنْ الْمُرْضِعِ الظِّئْرُ لِأَنَّهَا لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ الِامْتِنَاعِ عَنْ الْإِرْضَاعِ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ فَأَمَّا الْأُمُّ فَلَيْسَ عَلَيْهَا الْإِرْضَاعُ لِأَنَّهَا إذَا امْتَنَعَتْ فَعَلَى الْأَبِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ أُخْرَى.

(قَوْلُهُ وَالشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَمَا يُطْعِمُ فِي الْكَفَّارَاتِ) الْفَانِي الَّذِي قَرُبَ إلَى الْفِنَاءِ أَوْ فَنِيَتْ قُوَّتُهُ وَكَذَا الْعَجُوزُ مِثْلُهُ.

فَإِنْ قُلْت مَا الْحَاجَةُ إلَى قَوْلِهِ كَمَا يُطْعِمُ فِي الْكَفَّارَاتِ وَقَدْ ذَكَرَ قَدْرَ الْإِطْعَامِ قُلْت يُفِيدَانِ الْإِبَاحَةَ بِالتَّغْذِيَةِ وَالتَّعْشِيَّةِ وَالْقِيمَةُ فِي ذَلِكَ جَائِزٌ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنْ أَوْصَى بِهِ أَطْعَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ) وَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ وَالتَّقْيِيدُ بِقَضَاءِ شَهْرِ رَمَضَانَ غَيْرُ شَرْطٍ بَلْ يُشَارِكُهُ كُلُّ صَوْمٍ يَجِبُ قَضَاؤُهُ كَالنَّذْرِ وَغَيْرِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِيصَاءِ لِلْوُجُوبِ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يُطْعِمَ فَإِنْ تَبَرَّعَ الْوَلِيُّ بِهِ مِنْ غَيْرِ إيصَاءٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَالصَّلَاةُ حُكْمُهَا حُكْمُ الصِّيَامِ عَلَى اخْتِيَارِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَكُلُّ صَلَاةٍ بِانْفِرَادِهَا مُعْتَبَرَةٌ بِصَوْمِ يَوْمٍ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازًا عَمَّا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَنَّهُ يُطْعِمُ لِصَلَوَاتِ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ عَلَى قِيَاسِ الصَّوْمِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ وَقَالَ كُلُّ صَلَاةٍ فَرْضٌ عَلَى حِدَةٍ بِمَنْزِلَةِ صَوْمِ يَوْمٍ هُوَ الصَّحِيحُ وَالْوَتْرُ صَلَاةٌ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ مِثْلُ السُّنَنِ لَا تَجِبُ الْوَصِيَّةُ بِهِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَوَاتٌ وَأَوْصَى أَنْ يُطْعِمُوا عَنْهُ لَهَا فَأَعْطَوْا فَقِيرًا وَاحِدًا جُمْلَةً ذَلِكَ صَارَ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ أَوْ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ ثُمَّ أَفْسَدَهُمَا قَضَاهُمَا) سَوَاءٌ حَصَلَ الْإِفْسَادُ بِصُنْعِهِ أَوْ بِغَيْرِ صُنْعِهِ حَتَّى إذَا حَاضَتْ الصَّائِمَةُ تَطَوُّعًا يَجِبُ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ وَكَذَا إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ أَبْصَرَ الْمَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ ثُمَّ عِنْدَنَا لَا يُبَاحُ الْإِفْطَارُ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ لِغَيْرِ عُذْرٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَيُبَاحُ لِلْعُذْرِ وَالضِّيَافَةُ عُذْرٌ قَبْلَ الزَّوَالِ وَكَذَا بَعْدَهُ فِي حَقِّ الْوَالِدَيْنِ إلَى الْعَصْرِ وَأَمَّا لِغَيْرِ الْوَالِدَيْنِ فَلَيْسَتْ الضِّيَافَةُ بَعْدَ الزَّوَالِ عُذْرًا وَلَوْ أَفْطَرَ الْمُتَطَوِّعُ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَكَانَ مِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَقْضِيَهُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ لِشَهْوَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>