للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا جَاءَ مُسْتَفْتِيًا فَإِنْ أَسَرَتْهُ الْبَيِّنَةُ لَحِقَهَا اتِّفَاقًا قَالَهُ الْوَنْشَرِيسِيُّ:

وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ التَّلَذُّذَ بِهَا بِغَيْرِ وَطْءٍ بِلَا نِيَّةٍ لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الشَّارِحِ أَيْضًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ طَلَاقَهُ اللَّاحِقَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ حَيْثُ لَمْ يُكْمِلْ الثَّلَاثَ رَجْعِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَتَاتٍ، وَلَا فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ، وَلَا بِلَفْظِ الْخُلْعُ، وَلَا فِي غَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا، وَمَا كَانَ خَارِجًا عَمَّا ذَكَرَ رَجْعِيٌّ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ بَائِنٌ كَالطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا لِلْوَنْشَرِيسِيِّ، وَفَائِدَةُ كَوْنِهِ رَجْعِيًّا لُحُوقُ الطَّلَاقِ الْوَاقِعِ بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ تَثْبُتْ لَهُ الرَّجْعَةُ مَعَ جَعْلِ الطَّلَاقِ رَجْعِيًّا لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.

وَإِنْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ طَلَاقٌ بَعْدَهَا فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ، وَلَا كِسْوَةَ فِيمَا يَظْهَرُ لِصَيْرُورَتِهِ بَائِنًا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لِعَدَمِ اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا، وَالنَّفَقَةُ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَانْظُرْ هَلْ تَأْتَنِفُ لِهَذَا الطَّلَاقِ عِدَّةٌ أَوْ تَكْتَفِي بِالْأُولَى بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ طَلَاقٌ وَقَعَ فِي عِدَّةِ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ كَطَلَاقٍ وَقَعَ بَعْدَ رَجْعَةٍ، وَعَلَيْهِ فَيُقَالُ: لَنَا طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ لَحِقَ مُطَلَّقَةً رَجْعِيَّةً، وَائْتَنَفَتْ لَهُ عِدَّةٌ، وَهُوَ خِلَافُ مَا يَأْتِي فِي تَدَاخُلِ الْعَدَدِ، وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الطَّلَاقَ الْأَوَّلَ لُوحِظَ فِيهِ كَوْنُهُ بَائِنًا تَارَةً، وَرَجْعِيًّا أُخْرَى، ثُمَّ إذَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا يُكْمِلُ الثَّلَاثَ بَعْدَ هَذَا الطَّلَاقِ اللَّاحِقِ لَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَفْسَخَ نِكَاحَهُ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ لَا يُرَاعَى مَرَّتَيْنِ كَمَا قَالُوا فِيمَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا فِي مُخْتَلَفٍ فِي فَسَادِهِ، وَقَدْ شَبَّهُوا مَا هُنَا بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ اهـ الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ بَائِنٌ إلَخْ هَذَا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَائِلَ بِلُحُوقِ هَذَا أَبُو عِمْرَانَ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ كَالطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَالطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَكُونُ إلَّا بَائِنًا.

الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ رَجْعِيًّا لَلَزِمَ إقْرَارُهُ عَلَى الرَّجْعَةِ الْأُولَى، وَالْمَشْهُورُ بُطْلَانُهَا فَهُوَ بَائِنٌ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَمُرَاعَاةِ مَذْهَبِ ابْنِ وَهْبٍ إنَّمَا هِيَ فِي مُجَرَّدِ لُحُوقِ الطَّلَاقِ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ طَلَاقٌ وَقَعَ فِي عِدَّةٍ صَوَابُهُ كَطَلَاقٍ وَقَعَ بِكَافِ التَّشْبِيهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ وَقَعَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ابْنُ عَرَفَةَ أَجَابَ أَبُو عِمْرَانَ فِيمَنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً، وَتَمَادَى عَلَى وَطْئِهَا غَيْرَ مُرِيدٍ الرَّجْعَةَ، ثُمَّ حَنِثَ بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ كَالطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِي فَسَادِهِ لِقَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ وَاللَّيْثِ قَالَ: وَعَلَى إلْغَاءِ وَطْئِهِ دُونَ نِيَّةٍ رَوَى مُحَمَّدٌ، وَسَمِعَ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ لَهُ مُرَاجَعَتُهَا فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْعِدَّةِ بِالْقَوْلِ، وَالْإِشْهَادِ، وَلَا يَطَؤُهَا إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ مَائِهِ الْفَاسِدِ بِثَلَاثِ حِيَضٍ ابْنُ رُشْدٍ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا، وَبَنَى بِهَا قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ فَفِي حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ لِلْأَبَدِ قَوْلَانِ عَلَى كَوْنِ تَحْرِيمِ الْمَنْكُوحَةِ فِي الْعِدَّةِ بِمُجَرَّدِ تَعْجِيلِ النِّكَاحِ أَوْ بِهِ مَعَ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ اهـ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ أَخْبَرَتْهُ زَوْجَتُهُ بِأَنَّهُ لَا عَيْشَ فِي بَيْتِهِ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا عَيْشَ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَتْ لَهُ عَيْشًا مِنْ بَيْتِهِ، ثُمَّ عَاشَرَهَا بِلَا رَجْعَةٍ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَهَلْ يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَحِقَهَا طَلَاقُهُ إذْ الطَّلَاقُ الَّذِي حَلَفَ بِهِ عَلَى عَدَمِ الْعَيْشِ وَقَعَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَلِفَهُ ذَلِكَ لَغْوٌ، وَهُوَ لَا يُفِيدُ فِي غَيْرِ مَا يُوجِبُ كَفَّارَةَ يَمِينٍ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَلَمْ يُفِدْ فِي غَيْرِ اللَّهِ، وَهُوَ رَجْعِيٌّ؛ لِأَنَّهُ فِي زَوْجَةٍ مَدْخُولٍ بِهَا بِلَا خُلْعٍ، وَلَا حُكْمٍ، وَهَذَا إنْ وَطِئَهَا بَعْدَهُ، وَإِلَّا فَلَا يَلْحَقُهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَشَرْحِهِ لِعَبْدِ الْبَاقِي، وَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى وَطْئِهَا بِلَا نِيَّةِ رَجْعَةٍ، وَمِثْلُهُ إذَا اكْتَفَى بِالْوَطْءِ الْأَوَّلِ، وَالِاسْتِمْرَارِ إنَّمَا وَقَعَ فِي السُّؤَالِ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، ثُمَّ حَنِثَ فِيهَا بِالثَّلَاثِ أَوْ طَلَّقَهَا لَحِقَهَا طَلَاقُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إنْ تَلَذَّذَ بِهَا بِغَيْرِ وَطْءٍ بِلَا نِيَّةٍ لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الشَّارِحِ أَيْضًا، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>