للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَوَقَعَ الْبَحْثُ عَنْ حَالِ الْبَاطِنِيَّةِ، وَالِاسْتِقْصَاءُ عَنْ أَخْبَارِهِمْ، فَقِيلَ إِنَّهُمْ كَانُوا يَجْلِسُونَ إِلَى إِسْكَافٍ بِدَرْبِ إِيلِيَا، فَأُحْضِرَ وَوُعِدَ الْإِحْسَانُ إِنْ أَقَرَّ، فَلَمْ يُقِرَّ، فَهُدِّدَ بِالْقَتْلِ، فَقَالَ: إِنَّهُمْ وَرَدُوا مِنْ سِنِينَ لِقَتْلِهِ، فَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْهُ إِلَى الْآنِ، فَقُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وَذَكَرُهُ، وَرُجِمَ بِالْحِجَارَةِ فَمَاتَ.

وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ صَاحِبَ أَنْطَاكِيَةَ أَرْسَلَ إِلَى عِزِّ الدِّينِ بْنِ الْبُرْسُقِيِّ يُخْبِرُهُ بِقَتْلِ وَالِدِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ الْخَبَرُ، وَكَانَ قَدْ سَمِعَهُ الْفِرِنْجُ قَبْلَهُ لِشِدَّةِ عِنَايَتِهِمْ بِمَعْرِفَةِ الْأَحْوَالِ الْإِسْلَامِيَّةِ.

وَلَمَّا اسْتَقَرَّ عِزُّ الدِّينِ فِي الْوِلَايَةِ قَبَضَ عَلَى الْأَمِيرِ بَابَكْرِ بْنِ مِيكَائِيلَ، وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ الْأُمَرَاءِ، وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُسَلِّمَ ابْنَ أَخِيهِ قَلْعَةَ إِرْبَلَ إِلَى الْأَمِيرِ فَضْلٍ وَأَبِي عَلِيٍّ، ابْنَيْ أَبِي الْهَيْجَاءِ، وَكَانَ ابْنُ أَخِيهِ قَدْ أَخَذَهَا مِنْهُ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَرَاسَلَ ابْنَ أَخِيهِ، فَسَلَّمَ إِرْبَلَ إِلَى الْمَذْكُورَيْنِ.

ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْمُسْتَرْشِدِ بِاللَّهِ وَالسُّلْطَانِ مَحْمُودٍ

كَانَ قَدْ جَرَى بَيْنَ يَرْنَقْشَ الزَّكْوِيِّ، شِحْنَةِ بَغْدَاذَ، وَبَيْنَ نُوَّابِ الْخَلِيفَةِ الْمُسْتَرْشِدِ بِاللَّهِ نُفْرَةٌ تَهَدَّدَهُ الْخَلِيفَةُ فِيهَا، فَخَافَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَسَارَ عَنْ بَغْدَاذَ إِلَى السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ فِي رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَشَكَا إِلَيْهِ، وَحَذَّرَهُ جَانِبَ الْخَلِيفَةِ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ قَدْ قَادَ الْعَسَاكِرَ، وَلَقِيَ الْحُرُوبَ، وَقَوِيَتْ نَفْسُهُ، وَمَتَى لَمْ تُعَاجِلْهُ بِقَصْدِ الْعِرَاقِ وَدُخُولِ بَغْدَاذَ، ازْدَادَ قُوَّةً وَجَمْعًا، وَمَنْعَهُ عَنْهُ، وَحِينَئِذٍ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ مَا هُوَ الْآنَ بِيَدِهِ.

فَتَوَجَّهَ السُّلْطَانُ نَحْوَ الْعِرَاقِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْخَلِيفَةُ يُعَرِّفُهُ مَا هِيَ الْبِلَادُ وَأَهْلُهَا عَلَيْهِ مِنَ الضَّعْفِ وَالْوَهَنِ، بِسَبَبِ دُبَيْسٍ، وَإِفْسَادِ عَسْكَرِهِ فِيهَا، وَأَنَّ الْغَلَاءَ قَدِ اشْتَدَّ بِالنَّاسِ لِعَدَمِ الْغَلَّاتِ وَالْأَقْوَاتِ، لِهَرَبِ الْأُكْرَةِ عَنْ بِلَادِهِمْ، وَيَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ هَذِهِ الدَّفْعَةَ إِلَى أَنْ يَنْصَلِحَ حَالُ الْبِلَادِ ثُمَّ يَعُودُ إِلَيْهَا، فَلَا مَانِعَ لَهُ عَنْهَا، وَبَذَلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ مَالًا كَثِيرًا.

فَلَمَّا سَمِعَ السُّلْطَانُ هَذِهِ الرِّسَالَةَ قَوِيَ عِنْدَهُ مَا قَرَّرَهُ الزَّكْوِيُّ، وَأَبَى أَنْ يُجِيبَ إِلَى التَّأَخُّرِ، وَصَمَّمَ الْعَزْمَ وَسَارَ إِلَيْهَا مُجِدًّا. فَلَمَّا بَلَغَ الْخَلِيفَةَ الْخَبَرُ عَبَرَ هُوَ وَأَهْلُهُ وَحُرَمُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>