للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاسْتِبْرَاءِ، وَلِهَذَا اكْتُفِيَ بِهَا فِي حَقِّ الْمَمْلُوكَةِ، فَإِذَا زُوِّجَتْ فَقَدْ أَخَذَتْ شَبَهًا مِنَ الْحَرَائِرِ وَصَارَتْ أَشْرَفَ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ، فَجُعِلَتْ عِدَّتُهَا بَيْنَ الْعِدَّتَيْنِ.

قَالَ الشَّيْخُ فِي " الْمُغْنِي ": وَمَنْ رَدَّ هَذَا الْقَوْلَ قَالَ: هُوَ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَمَتَى اخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلَيْنِ لَمْ يَجُزْ إِحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى تَخْطِئَتِهِمْ وَخُرُوجِ الْحَقِّ عَنْ قَوْلِ جَمِيعِهِمْ.

قُلْتُ: وَلَيْسَ فِي هَذَا إِحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ بَلْ هُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عمر، ذَكَرَهَا ابن وهب وَغَيْرُهُ، وَقَالَ بِهِ مِنَ التَّابِعِينَ مَنْ ذَكَرْنَاهُمْ وَغَيْرُهُمْ.

[فصل عِدَّةُ الْآيِسَةِ وَالَّتِي لَمْ تَحِضْ]

فَصْلٌ

وَأَمَّا عِدَّةُ الْآيِسَةِ وَالَّتِي لَمْ تَحِضْ، فَقَدْ بَيَّنَهَا سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: ٤] [الطَّلَاقِ ٤] وَقَدِ اضْطَرَبَ النَّاسُ فِي حَدِّ الْإِيَاسِ اضْطِرَابًا شَدِيدًا فَمِنْهُمْ مَنْ حَدَّهُ بِخَمْسِينَ سَنَةً، وَقَالَ لَا تَحِيضُ الْمَرْأَةُ بَعْدَ الْخَمْسِينَ، وَهَذَا قَوْلُ إسحاق وَرِوَايَةٌ عَنْ أحمد رَحِمَهُ اللَّهُ، وَاحْتَجَّ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (إِذَا بَلَغَتْ خَمْسِينَ سَنَةً خَرَجَتْ مِنْ حَدِّ الْحُيَّضِ)

وَحَدَّهُ طَائِفَةٌ بِسِتِّينَ سَنَةً وَقَالُوا: لَا تَحِيضُ بَعْدَ السِّتِّينَ وَهَذِهِ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ عَنْ أحمد.

وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ الْفَرْقُ بَيْنَ نِسَاءِ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ فَحَدُّهُ سِتُّونَ فِي نِسَاءِ الْعَرَبِ وَخَمْسُونَ فِي نِسَاءِ الْعَجَمِ.

وَعَنْهُ رِوَايَةٌ رَابِعَةٌ أَنَّ مَا بَيْنَ الْخَمْسِينَ وَالسِّتِّينَ دَمٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ تَصُومُ وَتُصَلِّي وَتَقْضِي الصَّوْمَ الْمَفْرُوضَ وَهَذِهِ اخْتِيَارُ الخرقي.

وَعَنْهُ رِوَايَةٌ خَامِسَةٌ أَنَّ الدَّمَ إِنْ عَاوَدَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ وَتَكَرَّرَ فَهُوَ حَيْضٌ وَإِلَّا فَلَا.

وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَلَا نَصَّ لَهُ فِي تَقْدِيرِ الْإِيَاسِ بِمُدَّةٍ، وَلَهُ قَوْلَانِ بَعْدُ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُعْرَفُ بِيَأْسِ أَقَارِبِهَا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِيَأْسِ جَمِيعِ النِّسَاءِ، فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ هَلِ الْمُعْتَبَرُ جَمِيعُ أَقَارِبِهَا، أَوْ نِسَاءُ عَصَبَاتِهَا، أَوْ نِسَاءُ بَلَدِهَا خَاصَّةً؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، ثُمَّ إِذَا قِيلَ: يُعْتَبَرُ بِالْأَقَارِبِ فَاخْتَلَفَتْ عَادَتُهُنَّ فَهَلْ يُعْتَبَرُ بِأَقَلِّ عَادَةٍ مِنْهُنَّ، أَوْ بِأَكْثَرِهِنَّ عَادَةً، أَوْ بِأَقْصَرِ امْرَأَةٍ فِي الْعَالَمِ عَادَةً؟ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>