للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على سماخه «١» ، فهو موقوذ «٢» مأموم «٣» ، ومشدوه «٤» مغمور.

وقوله سبحانه: وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الآية ١٤] . وهذه استعارة:

لأنّ الربط هو الشدّ. يقال: ربطت الأسير. إذا شددته بالحبل والقدّ «٥» .

والمراد بذلك: شددنا على قلوبهم كما تشدّ الأوعية بالأوكية «٦» ، فتنضمّ على مكنونها، ويؤمن التبدّد على ما استودع فيها. أي فشددنا على قلوبهم لئلا تنحلّ معاقد صبرها وتهفو عزائم جلدها. ومن ذلك قول القائل لصاحبه: ربط الله على قلبك بالصبر.

وقوله سبحانه: فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (١٦) . وفي هذه الآية استعارتان: إحداهما قوله تعالى:

يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ والرحمة هاهنا بمعنى النعمة. ولم يكن هناك مطويّ فينشر، ولا مكنون فيظهر.

وإنّما المراد بذلك: يسبغ الله عليكم نعمته، على وجه الظهور والشّيوع، دون الإخفاء والإسرار. فيكون ذلك كنشر الثوب المطويّ وإظهار الشيء الخفي، في شيوع الأمر، وانتشار الذكر. والاستعارة الأخرى قوله تعالى: وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (١٦) . وأصل المرفق ما ارتفق به. وهو مأخوذ من المرفقة. وهي التي يرتفق عليها، أي يعتمد عليها بالمرفق.

ويقال مرفق، ومرفق بمعنى واحد.

وقد قرئ بهما جميعا بمعنى واحد.

فكأنّ السّياق: يهيئ لكم من أمركم ما تعتمدون عليه وتستندون إليه، ويكون لظهوركم عمادا، ولأعضادكم سنادا.

وقوله سبحانه: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ [الآية ١٧] . وفي هذه الآية


(١) . السماخ والصماخ واحد. وهو خرق الأذن الباطن الماضي إلى تجويف الرأس.
(٢) . الموقوذ: المضروب ضربا شديدا حتى أشرف على الموت.
(٣) . أمّه: شجّه، فهو مأموم.
(٤) . المشدوه: المشدوخ الرأس.
(٥) . القدّ: السّير من الجلد.
(٦) . الأوكية: جمع وكاء، وهو رباط القربة أو ما تشدّ به.