للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) ، وهو أعلم بما في يده جملة وتفصيلا؟

قلنا: الحكمة فيه، تأنيسه وتخفيف ما حصل عنده من دهشة الخطاب وهيبة الإجلال وقت التكلّم معه كما يرى أحدنا طفلا قد داخلته هيبة وإجلال وخوف، وفي يده فاكهة أو غيرها، فيلاطفه ويؤانسه، بقوله ما هذا الذي في يدك؟ مع أنه عالم به. الثاني:

أنه تعالى أراد بذلك أن يقرّ موسى عليه السلام، ويعترف بكونها عصا، ويزداد علمه بكونها عصا رسوخا في قلبه، فلا يحوم حوله شكّ إذا قلبها ثعبانا أنها كانت عصا، ثمّ انقلبت ثعبانا، بقدرة الله تعالى. وأن يقرر في نفسه المباينة البعيدة بين المقلوب عنه والمقلوب إليه فيتنبه على القدرة الباهرة. ونظيره أن يريك الحدّاد قطعة من حديد ويقول لك ما هذه؟ فتقول زبرة من حديد، ثم يريك بعد أيام درعا واسعة مسرودة ويقول: هذه تلك القطعة صيّرتها إلى ما تراه من عجيب الصنعة، وأنيق السرد.

فإن قيل: قد ذكر الله تعالى عصا موسى (ع) بلفظ الحيّة والثعبان والجانّ وبين الثعبان والجانّ تناف، لأنّ الجانّ الحيّة الصغيرة كذا قاله ابن عرفة، والثعبان الحيّة العظيمة، كذا نقله الأزهري عن الزجّاج وقطرب.

قلنا: أراد سبحانه أنها في صورة الثعبان العظيم، وخفّة الحيّة الصغيرة وحركتها ويؤيّد ذلك قوله جلّ وعلا:

فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ [النمل: ١٠] .

الثاني أنها كانت في أوّل انقلابها تنقلب حيّة صغيرة صفراء دقيقة، ثمّ تتورّم ويتزايد جرمها حتّى تصير ثعبانا فأريد بالجانّ أوّل حالها، وبالثعبان مالها.

فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى: إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (٣٨) وهذا لا بيان فيه، لأنّه مجمل؟

قلنا: الحكمة هي الإشارة إلى أنه ليس كل الأمور ممّا يوحى إلى النساء، كالنبوّة ونحوها، بل بعضها. الثاني:

أنه للتأكيد، كقوله تعالى: فَغَشَّاها ما غَشَّى (٥٤) [النجم] كأنّه قال: إذ أوحينا إلى أمك إيحاء. الثالث: أنه أبهمه أوّلا للتفخيم والتعظيم، ثمّ بيّنه وأوضحه، بقوله تعالى: أَنِ اقْذِفِيهِ [الآية ٣٩] .

فإن قيل: لم قدّم هارون على موسى عليهما السلام، في قوله تعالى فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (٧٠)