للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْهَا وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ وَاجِبًا) اعْلَمْ أَنَّ الْمَأْمُورَاتِ قِسْمَانِ مَا صُورَةُ فِعْلِهِ كَافِيَةٌ فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَتِهِ كَأَدَاءِ الدُّيُونِ وَرَدِّ الْغُصُوبِ وَدَفْعِ الْوَدَائِعِ وَنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَالدَّوَابِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ صُورَةُ هَذَا الْفِعْلِ تَحْصُل مَقْصُودَةً وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ التَّقَرُّبُ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَلَا نِيَّةٍ وَقَعَ ذَلِكَ وَاجِبًا مُجْزِئًا وَلَا يَلْزَمُ فِيهِ الْإِعَادَةُ وَلَا ثَوَابَ فِيهِ حَتَّى يَنْوِيَ بِهِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ فَعَلَهُ غَيْرَ قَاصِدٍ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا عَالِمٍ بِهِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ثَوَابٌ وَإِنْ سَدَّ الْفِعْلُ مَسَدَّهُ وَوَقَعَ وَاجِبًا وَمِنْ هَذَا الْبَابِ النِّيَّةُ لَا يُقْصَدُ بِهَا التَّقَرُّبُ وَتَقَعُ وَاجِبَةً وَلَا تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ أُخْرَى وَكَذَلِكَ النَّظَرُ الْأَوَّلُ أَفْضَى إلَى الْعِلْمِ بِإِثْبَاتِ الصَّانِعِ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّقَرُّبُ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

لَا يَصِحُّ وُرُودُهُ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ الْأَوْلَيْنَ وَيَصِحُّ وُرُودُهُ عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّالِثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ (الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْهَا وَإِنْ وَقَعَ وَاجِبًا اعْلَمْ أَنَّ الْمَأْمُورَاتِ قِسْمَانِ مَا صُورَةُ فِعْلِهِ كَافِيَةٌ فِي تَحْصِيلِ مَصْلَحَتِهِ كَأَدَاءِ الدُّيُونِ وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَدَفْعِ الْوَدَائِعِ وَنَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ النَّظَرُ الْأَوَّلُ الْمُفْضِي إلَى الْعِلْمِ بِثُبُوتِ الصَّانِعِ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّقَرُّبُ) قُلْتُ مَا قَالَهُ فِي أَدَاءِ الدُّيُونِ وَشَبَهِهِ وَمِنْ أَنَّهُ لَا ثَوَابَ فِيهِ حَتَّى يَنْوِيَ بِهِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِحْضَارِ نِيَّةِ الِامْتِثَالِ وَلَا يَكْتَفِي بِنِيَّةِ أَدَاءِ الدُّيُونِ فَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ فَإِنَّ الَّذِي يُؤَدِّي دَيْنَهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَنْوِيَ بِأَدَائِهِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ أَوْ لَا فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ فَلَا نِزَاعَ فِي الثَّوَابِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَنْوِيَ سَبَبًا لِلْأَدَاءِ غَيْرَ الِامْتِثَالِ كَتَخَوُّفِهِ أَنْ لَا يُدَايِنَهُ أَحَدٌ إذَا عُرِفَ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ الْأَدَاءِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَوْ لَا فَإِنْ نَوَى بِالْأَدَاءِ شَيْئًا غَيْرَ الِامْتِثَالِ فَلَا نِزَاعَ أَيْضًا فِي عَدَمِ الثَّوَابِ.

وَإِنْ عَرَى عَنْ نِيَّةِ الِامْتِثَالِ وَنِيَّةِ سَبَبٍ غَيْرِهِ وَلَمْ يَنْوِ إلَّا مُجَرَّدَ أَدَاءِ دَيْنِهِ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يُحْرَمُ صَاحِبُ هَذِهِ الْحَالَةِ الثَّوَابَ اسْتِدْلَالًا بِسَعَةِ بَابِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ النِّيَّةَ وَالنَّظَرَ الْأَوَّلَ لَا يَنْوِي بِهِمَا التَّقَرُّبَ صَحِيحٌ فِي النَّظَرِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُتَقَرَّبِ إلَيْهِ وَغَيْرُهُ صَحِيحٌ فِي النِّيَّةِ فَإِنَّ نِيَّةَ الظُّهْرِ مَثَلًا يُمْكِنُ فِيهِ التَّقَرُّبُ بِهَا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَهَا شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَالشَّرْطُ كَالرُّكْنِ فَكَمَا يَنْوِي الرُّكْنَ يَنْوِي الشَّرْطَ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ لَا فِي النِّيَّةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا وَمَا ذُكِرَ مِنْ التَّسَلْسُلِ لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ نِيَّةُ التَّقَرُّبِ بِالنِّيَّةِ فَلَا تَسَلْسُلَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا ثَوَابَ فِيهِمَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الْأَعْمَالِ إنَّمَا هُوَ حَدِيثُ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَمُطْلَقُهُ مُقَيَّدٌ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

رِيحٌ أَوْ أَذًى كَمَا يَخْرُجُ مِنْ النَّاسِ؟ فَقَالَتْ: لَا عَهْدَ لِي بِالْأَذَى مُنْذُ ذَلِكَ الزَّمَانِ قُلْت: وَالْحَيْضُ؟ أَظُنُّهَا قَالَتْ: انْقَطَعَ بِانْقِطَاعِ الطَّعَامِ قُلْت: فَهَلْ تَحْتَاجِينَ حَاجَةَ النِّسَاءِ إلَى الرِّجَالِ؟ قَالَتْ: أَمَا تَسْتَحِي مِنِّي تَسْأَلُنِي عَنْ مِثْلِ هَذَا قُلْت: إنِّي لَعَلِّي أُحَدِّثُ النَّاسَ عَنْك وَلَا بُدَّ أَنْ أَسْتَقْصِيَ قَالَتْ: لَا أَحْتَاجُ، قُلْت: فَتَنَامِينَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ أَطْيَبُ نَوْمٍ قُلْت: فَمَا تَرَيْنَ فِي مَنَامِك؟ قَالَتْ: مِثْلَ مَا تَرَوْنَ قُلْت: فَتَجِدِينَ لِفَقْدِ الطَّعَامِ وَهْنًا فِي نَفْسِك؟ قَالَتْ: مَا أَحْسَسْت بِالْجُوعِ مُنْذُ طَعِمْت ذَلِكَ الطَّعَامَ وَكَانَتْ تَقْبَلُ الصَّدَقَةَ فَقُلْت: مَا تَصْنَعِينَ بِهَا؟ قَالَتْ: أَكْتَسِي وَأَكْسُو وَلَدِي قُلْت فَهَلْ تَجِدِينَ الْبَرْدَ وَتَتَأَذَّيْنَ بِالْحَرِّ؟ قَالَتْ: نَعَمْ قُلْت: يُدْرِكُك اللُّغُوبُ وَالْإِعْيَاءُ إذَا مَشَيْت؟ قَالَتْ: نَعَمْ أَلَسْت مِنْ الْبَشَرِ؟ قُلْت: فَتَتَوَضَّئِينَ لِلصَّلَاةِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قُلْت: لِمَ؟ قَالَتْ: أَمَرَنِي بِذَلِكَ الْفُقَهَاءُ، فَقُلْت: إنَّهُمْ أَفْتَوْهَا عَلَى حَدِيثِ لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ حَدَثٍ أَوْ نَوْمٍ وَذَكَرَتْ لِي أَنَّ بَطْنَهَا لَاصِقٌ بِظَهْرِهَا وَأَمَرْتُ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِنَا فَنَظَرَتْ فَإِذَا بَطْنُهَا كَمَا وَصَفَتْ وَإِذَا قَدْ اتَّخَذَتْ كِيسًا مُصْمَتًا بِالْقُطْنِ وَشَدَّتْهُ عَلَى بَطْنِهَا كَيْ لَا يَقْصِفَ ظَهْرُهَا إذَا مَشَتْ.

ثُمَّ لَمْ أَزَلْ أَخْتَلِفُ إلَى هِزَارَنِيفْ، بَيْنَ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ فَتَحْضُرُنِي فَأُعِيدُ مَسْأَلَتَهَا فَلَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ وَعَرَضْت كَلَامَهَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفَقِيهِ فَقَالَ: أَنَا أَسْمَعُ هَذَا الْكَلَامَ مُنْذُ نَشَأْت فَلَا أَجِدُ مَنْ يَدْفَعُهُ أَوْ يَزْعُمُ أَنَّهَا تَأْكُلُ أَوْ تَشْرَبُ أَوْ تَتَغَوَّطُ اهـ. الْمُرَادُ هَذَا وَالْجَنَابَةُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ مِثْلُ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فِي سَبَبِ الْمَنْعِ الْمُسْتَمِرِّ حَتَّى تَطْرَأَ الطَّهَارَةُ وَالطَّهَارَةُ سَبَبُ الْإِبَاحَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَلَوْلَا اشْتِرَاطُ صَاحِبِ الشَّرْعِ الْوُضُوءَ لَأَبَحْنَا الصَّلَاةَ لِمَنْ عُدِمَتْ فِي حَقِّهِ هَذِهِ الْأَحْدَاثُ الْكِبَارُ وَصَحَّ لَنَا حِينَئِذٍ فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ وَالطَّهَارَةِ الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى أَنَّ عَدَمَ سَبَبِ الْإِبَاحَةِ سَبَبُ الْمَنْعِ وَعَدَمُ سَبَبِ الْمَنْعِ سَبَبُ الْإِبَاحَةِ وَاطَّرَدَتْ الْقَاعِدَةُ الْأُولَى.

(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) الرِّدَّةُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى عِلَّةٌ وَسَبَبٌ لِوُجُوبِ إرَاقَةِ دَمِ الْمُرْتَدِّ فَإِذَا فُقِدَتْ الرِّدَّةُ كَانَ دَمُهُ حَرَامًا وَالزَّوْجِيَّةُ وَالْقَرَابَةُ عِلَّةٌ وَسَبَبٌ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ فَإِذَا عُدِمَتْ الزَّوْجِيَّةُ وَالْقَرَابَةُ لَا تَحْرُمُ وَالنَّفَقَةُ بَلْ يَنْدُبُ إلَيْهَا فِي الْأَجَانِبِ وَحُضُورُ مَحَلِّ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ الَّذِي هُوَ الْقِيَامُ عِلَّةٌ وَسَبَبٌ لِوُجُوبِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ فَإِذَا رَكَعَ وَسَجَدَ وَعُدِمَ الْقِيَامُ كُرِهَتْ الْقِرَاءَةُ فَلَمْ يَسْتَلْزِمْ عَدَمُ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَعِلَّتُهُ كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>