للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ أَنَّ لَفْظَ صَاحِبِ الشَّرْعِ إذَا كَانَ ظَاهِرًا أَوْ نَصًّا فِي جِنْسٍ وَذَلِكَ الْجِنْسُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْوَاعِهِ وَأَفْرَادِهِ لَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي الدَّلَالَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٣] اللَّفْظُ ظَاهِرٌ فِي إعْتَاقِ جِنْسِ الرَّقَبَةِ وَهِيَ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالطَّوِيلَةِ وَالْقَصِيرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوْصَافِ وَلَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى إيجَابِ الرَّقَبَةِ وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِجَمِيعِ الْمُطْلَقَاتِ الْكُلِّيَّاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا عَشْرَةٌ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي شَيْءٍ مِنْ مِثْلِهَا قَدْحٌ وَلَا إجْمَالٌ إذَا تَحَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ فَنَقُولُ الِاحْتِمَالَاتُ تَارَةً تَكُونُ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ عَلَى السَّوَاءِ فَتَقْدَحُ وَتَارَةً تَكُونُ فِي مَحَلِّ مَدْلُولِ اللَّفْظِ فَلَا تَقْدَحُ فَحَيْثُ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ حِكَايَةَ الْحَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ سَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال مُرَادُهُ إذَا اسْتَوَتْ الِاحْتِمَالَاتُ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَمُرَادُهُ أَنَّ حِكَايَةَ الْحَالِ إذَا تُرِكَ فِيهَا الِاسْتِفْصَالُ قَامَتْ مَقَامَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ إذَا كَانَتْ الِاحْتِمَالَاتُ فِي مَحَلِّ الْمَدْلُولِ دُونَ الدَّلِيلِ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

قَالَ (الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ إنَّ لَفْظَ صَاحِبِ الشَّرْعِ إذَا كَانَ ظَاهِرًا أَوْ نَصًّا فِي جِنْسٍ وَذَلِكَ الْجِنْسُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْوَاعِهِ وَأَفْرَادِهِ لَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي الدَّلَالَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] إلَى قَوْلِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي شَيْءٍ مِنْ مِثْلِهَا قَدْحٌ وَلَا إجْمَالٌ) قُلْتُ لَيْسَ مَا مَثَّلَ بِهِ الْجِنْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَفْظُ رَقَبَةٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ جِنْسًا وَلَكِنَّهُ وَاحِدٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِنْ الْجِنْسِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِجَمِيعِ الْمُطْلَقَاتِ الْكُلِّيَّاتِ فَإِنَّ الْمُطْلَقَاتِ لَيْسَتْ الْكُلِّيَّاتُ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ مِرَارًا.

قَالَ (إذَا تَحَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ فَنَقُولُ الِاحْتِمَالَاتُ تَارَةً تَكُونُ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ عَلَى السَّوَاءِ فَتَقْدَحُ وَتَارَةً تَكُونُ فِي مَحَلِّ مَدْلُولِ اللَّفْظِ فَلَا تَقْدَحُ) قُلْتُ مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ.

قَالَ (فَحَيْثُ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ حِكَايَةَ الْأَحْوَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ سَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال مُرَادُهُ إذَا اسْتَوَتْ الِاحْتِمَالَاتُ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الشَّرْعِ) قُلْتُ الْأَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُرَادَهُ وَإِنَّ مُرَادَهُ أَنَّ قَضَايَا الْأَعْيَانِ إذَا نُقِلَتْ إلَيْنَا وَنُقِلَ حُكْمُ الشَّارِعِ فِيهَا وَاحْتَمَلَ عِنْدَنَا وُقُوعُهَا عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ أَوْ وُجُوهٍ وَلَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا عَلَى أَيِّ الْوَجْهَيْنِ أَوْ الْوُجُوهِ وَقَعَ الْأَمْرُ فِيهَا فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا يَثْبُتُ فِيهِ الْإِجْمَالُ وَيَسْقُطُ بِهِ الِاسْتِدْلَال وَدَلِيلُ ظُهُورِ مَا قُلْته دُونَ مَا قَالَهُ أَنَّ مَا قُلْته يُطْلَقُ عَلَيْهِ حِكَايَةُ حَالٍ حَقِيقَةً وَمَا قَالَهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ حِكَايَةُ حَالٍ مَجَازًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ (وَمُرَادُهُ أَنَّ حِكَايَةَ الْحَالِ إذَا تُرِكَ فِيهَا الِاسْتِفْصَالُ قَامَتْ مَقَامَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ إذَا كَانَتْ الِاحْتِمَالَاتُ فِي مَحَلِّ الْمَدْلُولِ دُونَ الدَّلِيلِ) قُلْتُ إنْ أَرَادَ بِمَحَلِّ الْمَدْلُولِ أَنَّ قَضَايَا الْأَعْيَانِ إذَا عُرِضَتْ عَلَى الشَّارِعِ وَهِيَ مُحْتَمِلَةُ الْوُقُوعِ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ أَوْ وُجُوهٍ وَتُرِكَ الِاسْتِفْصَالُ فِيهَا فَتَرْكُهُ الِاسْتِفْصَالَ فِيهَا دَلِيلٌ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا مُتَّحِدٌ فِي الْوَجْهَيْنِ أَوْ الْوُجُوهِ فَقَوْلُهُ فِيهَا صَحِيحٌ وَهُوَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ بِلَا شَكٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

يَحْصُلُ مُقْتَضَى التَّكْلِيفِ بِالْمُطْلَقِ الَّذِي هُوَ الْوَاحِدُ الْمُبْهَمُ لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ فَإِذَا أَعْتَقَ فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ لَا يَنْوِي بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ وَلَا فِعْلَ الْوَاجِبِ بِالْعِتْقِ مِنْ حَيْثُ هُوَ عِتْقٌ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعِتْقَ أَحَدُ خِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَقَطْ وَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالْكِسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ لَا يَنْوِي بِالْمَجْمُوعِ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ وَلَا فِعْلَ الْوَاجِبِ إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ فِي الْمَجْمُوعِ أَحَدَ الْخِصَالِ لَا مِنْ حَيْثُ الْخُصُوصِيَّاتُ وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الْأَحْكَامُ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْمُطْلَقِ الَّذِي هُوَ وَاحِدٌ مُبْهَمٌ مِنْ خِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَا نَفْسُ الْمُشْتَرَكِ الْكُلِّيِّ كَمَا قِيلَ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْإِطْلَاقُ عِبَارَةً عَنْ الْإِبْهَامِ وَالْإِبْهَامُ لَا يَتَأَتَّى تَحَقُّقُهُ فِي الْخَارِجِ بَلْ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِيهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ إطْعَامُ طَعَامٍ مُعَيَّنٍ أَوْ إعْطَاءُ كِسْوَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَانَ حُصُولُ الْوَاجِبِ وَالثَّوَابِ عَلَيْهِ وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْهُ بِنِيَّةِ فِعْلِ ذَلِكَ الْخَاصِّ مِنْ حَيْثُ حُصُولُ مُقْتَضَى التَّكْلِيفِ بِالْمُطْلَقَةِ بِهِ لَا مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُ الْإِطْلَاقِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ كَمَا قِيلَ.

إذْ كَيْفَ يَجْتَمِعُ الْإِبْهَامُ وَالتَّعْيِينُ فِيهِ وَهُمَا نَقِيضَانِ؟ وَلَيْسَتْ الْمُطْلَقَاتُ هِيَ الْكُلِّيَّاتِ حَتَّى يُقَالَ إنَّ الْمَنَاطِقَةَ قَدْ نَوَّعُوا الْكُلِّيَّ إلَى مَنْطِقِيٍّ وَعَقْلِيٍّ وَطَبِيعِيٍّ وَقَالُوا الْمَنْطِقِيُّ هُوَ مَفْهُومُ الْكُلِّيِّ أَعْنِي مَا لَا يَمْنَعُ نَفْسَ تَصَوُّرِهِ مِنْ وُقُوعِ الشَّرِكَةِ فِيهِ وَالطَّبِيعِيُّ هُوَ مَعْرُوضُهُ كَمَفْهُومِ الْإِنْسَانِ أَيْ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ وَالْعَقْلِيُّ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُرَكَّبِ مِنْ هَذَيْنِ الْمَفْهُومَيْنِ وَاتَّفَقَ الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْمَاهِيَّةَ مَعَ اتِّصَافِهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَاعْتِبَارُ عُرُوضِهَا لَهَا لَا وُجُودَ لَهَا فِي الْخَارِجِ، قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ سِينَا إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى وُجُودِهَا فِيهِ بَلْ بَدِيهِيَّةُ الْعَقْلِ حَاكِمَةٌ بِأَنَّ الْكُلِّيَّةَ تُنَافِي الْوُجُودَ الْخَارِجِيَّ اهـ.

وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُوجَدُ الْكُلِّيُّ الطَّبِيعِيُّ خَارِجًا بِوُجُودِ أَشْخَاصِهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ غَيْرِ مُمْتَنِعِ الْوُجُودِ فِي الْخَارِجِ كَشَرِيكِ الْبَارِي وَمِنْ غَيْرِ الْمَعْدُومِ الْمُمْكِنِ كَالْعَنْقَاءِ أَوْ هُوَ مِنْ الْأُمُورِ الِانْتِزَاعِيَّةِ وَتَحَقُّقُهُ فِي الْفَرْدِ بِالذِّهْنِ فَقَطْ وَالثَّانِي لِلْمُتَأَخِّرِينَ وَالْأَوَّلُ لِلْمُتَقَدِّمِينَ وَهُوَ الْحَقُّ ضَرُورَةَ أَنَّ حَقِيقَةَ الْإِنْسَانِ مَثَلًا حَالَ اقْتِرَانِ الْعَوَارِضِ الَّتِي هِيَ خَارِجَةٌ عَنْهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْخَارِجِ فَتَكُونُ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ وَذَاتِيَّاتُهَا الَّتِي هِيَ مُتَّحِدَةٌ مَعَهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْخَارِجِ وَذَلِكَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ لَيْسَتْ مُعَيَّنَةً فِي حَدِّ ذَاتِهَا؛ لِأَنَّ تَعَيُّنَهَا لَيْسَ عَيْنَهَا وَلَا جُزْأَهَا بَلْ يُمْكِنُ أَنْ نُلَاحِظَهَا بِشَرْطِ لَا شَيْءَ فَتَعْرِضُ

<<  <  ج: ص:  >  >>