للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» فَكُلُّ مَنْ ادَّعَى مِنْ الزَّوْجَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ.

وَجَوَابُهُ أَنَّ قَاعِدَةَ الْمُدَّعِي هُوَ كُلُّ مَنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ أَصْلٍ أَوْ عُرْفٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ كُلُّ مَنْ كَانَ قَوْلُهُ عَلَى وَفْقِ أَصْلٍ أَوْ عُرْفٍ فَالْمُدَّعِي بِالدَّيْنِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَالْمَطْلُوبُ الْمُنْكَرُ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَالْمُدَّعِي رَدَّ الْوَدِيعَةَ وَقَدْ قَبَضَهَا بِبَيِّنَةِ قَوْلِهِ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ وَالْعُرْفِ بِسَبَبِ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَنْ قَبَضَ بِبَيِّنَةٍ لَا يَرُدُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَدَعْوَى الرَّدِّ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ وَالْمُدَّعِي عَدَمَ قَبْضِهَا عَلَى وَفْقِ الظَّاهِرِ وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ هَذَا ضَابِطُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ مُقْنِعَةً وَشَبَهَهَا كَانَ قَوْلُهَا عَلَى وَفْقِ الظَّاهِرِ.

وَقَوْلُ الزَّوْجِ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ فَالزَّوْجُ مُدَّعٍ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَهِيَ مُدَّعَى عَلَيْهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجِبِ الْحَدِيثِ لَا أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْنَا وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ لَوْ كَانَ الْمُتَدَاعِيَانِ امْرَأَتَيْنِ أَوْ رَجُلَيْنِ لَمْ يُقَدَّمْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَا رَجُلًا وَامْرَأَةً لَمْ يُقَدَّمْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِالصَّلَاحِيَةِ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي يَدِ ثَالِثٍ وَيُؤَكِّدُ أَنَّ حُكْمَ الْيَدِ لَا يَسْقُطُ بِالصَّلَاحِيَةِ أَنَّ مَنْ كَانَ بِيَدِهِ خَلْخَالٌ فَادَّعَتْهُ امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْخَلْخَالُ لَا يَصْلُحُ مِنْ لِبَاسِهِ لِأَجْلِ أَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ بِيَدِ الْمَرْأَةِ سَيْفٌ فَادَّعَاهُ رَجُلٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ لَهَا لِأَجْلِ أَنَّ يَدَهَا عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا إذَا كَانَا فِي الدَّارِ وَفِيهَا مَا يَصْلُحُ لِأَحَدِهِمَا فَإِنَّ يَدَهُمَا عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْيَدِ بِصَلَاحِيَتِهِ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ

(وَالْجَوَابُ) أَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَبَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَبَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ وَبَيْنَ الْيَدِ الْحُكْمِيَّةِ وَالْمُشَاهَدَةِ فَلَوْ تَعَلَّقَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ بِخَلْخَالٍ وَأَيْدِيهِمَا جَمِيعًا عَلَيْهِ يَتَجَاذَبَانِهِ قَضَيْنَا بِهِ لِلْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا وَلَوْ تَجَاذَبَا سَيْفًا كَانَ لِلرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ بِيَدِ ثَالِثٍ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ يَدٌ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ الْمُسْتَنَدَ عِنْدَنَا الْيَدُ مَعَ الصَّلَاحِيَةِ فَإِنْ قَالُوا مَا ذَكَرْتُمُوهُ يَبْطُلُ بِأَنَّ مَا يَصْلُحُ لَهُمَا يَكُونُ لِلزَّوْجِ مَعَ أَنَّهُ لَا ظَاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ وَيَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَيْهِ فَقَدْ نَقَضْتُمْ أَصْلَكُمْ وَرَجَّحْتُمْ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ فَإِنَّ الْيَدَ مُشْتَرَكَةٌ.

وَالظَّاهِرُ مِنْ جِهَةِ الصَّلَاحِيَةِ مَنْفِيٌّ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قُلْنَا بَلْ يَدُ الزَّوْجِ أَقْوَى وَهُوَ الْمُرَجَّحُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِي يَدِهِ وَتَحْتَ حَوْزِهِ وَالدَّارَ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَهَا وَأَنْ يُجِيرَهَا وَأَنْ يَخْدُمَهَا فَالدَّارُ هِيَ مِنْ

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

فَلِذَا قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قَذَفَهُ بَعْدَ إنْ صَارَ عَدْلًا لَمْ يُحَدَّ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبَا الْجَوَاهِرِ وَالنَّوَادِرِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَفِي الْجَوَاهِرِ أَيْضًا لَوْ لَاعَنَ الْمَرْأَةَ وَأَبَانَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِتِلْكَ الزَّنْيَةِ لَمْ يُحَدَّ وَلَمْ يُلَاعَنْ لِاسْتِيفَاءِ مُوجِبِ اللِّعَانِ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَالَ رَبِيعَةُ يُحَدُّ وَإِنْ قَذَفَهَا بِزَنْيَةٍ أُخْرَى فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تُلَاعِنْ وَحُدَّتْ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ لِسُقُوطِ إحْصَانِهَا الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي حَدِّ الْقَذْفِ بِتِلْكَ الزَّنْيَةِ بِمُوجِبِ لِعَانِهِ وَإِنْ لَاعَنَتْ وَجَبَ الْحَدُّ أَيْ لِلزَّوْجِ الْقَاذِفِ فَأَوْلَى بِالْحَدِّ الْأَجْنَبِيُّ إذَا قَذَفَهَا بِهَا أَيْ مُطْلَقًا لِأَنَّ أَثَرَ لِعَانِ الزَّوْجِ لَا يَتَعَدَّى لِغَيْرِهِ وَوَقَعَ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ إذَا قَذَفَ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الزِّنَا وَحَسُنَتْ حَالُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُحَدَّ لِأَنَّ الْحَصَانَةَ لَا تَعُودُ بِالْعَدَالَةِ فَمَنْ ثَبَتَ فِسْقُهُ بِالزِّنَا ذَهَبَتْ حَصَانَتُهُ وَذَلِكَ إنَّمَا قَالُوهُ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَتَيْنِ

(الْقَاعِدَةُ الْأُولَى) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا نَصَّبَ سَبَبًا لِحِكْمَةٍ فَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى تِلْكَ الْحِكْمَةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُنَصِّبْهَا سَبَبًا لِذَلِكَ الْحُكْمِ بَلْ سَبَبٌ وَسَبَبُهُ وَقَدْ لَا يَصِحُّ سَبَبُ سَبَبِهِ سَبَبًا لَهُ لِعَدَمِ الْمُنَاسَبَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ وُجُوبَ الزَّوَاجِ حُكْمٌ سَبَبُهُ خَوْفُ الزِّنَى وَالزَّوَاجُ سَبَبُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ سَبَبُ وُجُوبِ الزَّوَاجِ الَّذِي هُوَ خَوْفُ الزِّنَى لَا يُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّبَ السَّرِقَةَ سَبَبًا لِلْقَطْعِ لِحِكْمَةِ حِفْظِ الْمَالِ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ الْقَطْعُ عَلَى مَنْ أَخَذَ مَالًا بِغَيْرِ السَّرِقَةِ نَظَرًا لِتِلْكَ الْحِكْمَةِ بَلْ مُنِعَ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ سَبَبِهِ الَّذِي هُوَ السَّرِقَةُ وَمِنْهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَصَّبَ الزِّنَى سَبَبًا لِلرَّجْمِ لِحِكْمَةِ حِفْظِ الْأَنْسَابِ لِئَلَّا تَلْتَبِسَ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ الرَّجْمُ عَلَى مَنْ سَعَى فِي الْتِبَاسِ الْأَنْسَابِ بِغَيْرِ الزِّنَى بِأَنْ يَجْمَعَ الصِّبْيَانَ وَيُغَيِّبَهُمْ صِغَارًا أَوْ يَأْتِيَ بِهِمْ كِبَارًا فَلَا يَعْرِفُهُمْ آبَاؤُهُمْ نَظَرًا لِحِكْمَةِ حِفْظِ الْأَنْسَابِ بَلْ مَنَعُوا رَجْمَهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ سَبَبِهِ الَّذِي هُوَ الزِّنَى وَمِنْهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ الرَّضَاعَ سَبَبًا لِلتَّحْرِيمِ بِسَبَبِ أَنَّ جُزْءَ الْمُرْضِعَةِ وَهُوَ اللَّبَنُ صَارَ جُزْءَ الرَّضِيعِ بِاغْتِذَائِهِ بِهِ وَصَيْرُورَتِهِ مِنْ أَعْضَائِهِ فَأَشْبَهَ ذَلِكَ مَنِيَّهَا وَلَحْمَتَهَا فِي النَّسَبِ لِأَنَّهُمَا جُزْءُ الْجَنِينِ.

وَلِذَلِكَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الرَّضَاعُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» وَلَمْ يَتَرَتَّبْ ذَلِكَ التَّحْرِيمُ عَلَى سَبَبِ سَبَبِهِ الَّذِي هُوَ صَيْرُورَةُ نَحْوِ دَمِ الْمَرْأَةِ أَوْ قِطْعَةٍ مِنْ لَحْمِهَا جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ مَنْ شَرِبَ دَمَهَا أَوْ أَكَلَ قِطْعَةً مِنْ لَحْمِهَا إذْ لَمْ يَقُولُوا بِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا أَوْ تَحْرُمُ هِيَ عَلَيْهِ بَلْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا تَقَعُ الْحُرْمَةُ بِاللَّبَنِ إذَا اُسْتُهْلِكَ وَعَدِمُ بِحَيْثُ لَا يُسَمِّي رَضَاعًا وَلَبَنًا وَتَنَاوَلَهُ الصَّبِيُّ إعْرَاضًا عَنْ التَّعْلِيلِ بِالْحِكْمَةِ وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ اللَّبَنُ الْمَغْلُوبُ بِالْمَاءِ أَوْ الدَّوَاءِ وَالْمُخْتَلَطُ بِالطَّعَامِ وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ غَالِبًا لَا يُحَرِّمُ لِأَنَّ الطَّعَامَ أَصْلٌ وَاللَّبَنَ تَابِعٌ نَعَمْ قَالَ مُطَرِّفٌ مِنْ أَصْحَابِنَا تَقَعُ الْحُرْمَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>