للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْآخَرُ ثَوَابُهُ فَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يُرْجَى حُصُولُهُ لِلْمَيِّتِ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا لَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا دَعَا لِلْمَيِّتِ بِالْمَغْفِرَةِ

(وَالثَّانِي) وَهُوَ الثَّوَابُ عَلَى الدُّعَاءِ فَهُوَ الدَّاعِي فَقَطْ، وَلَيْسَ لِلْمَيِّتِ مِنْ الثَّوَابِ عَلَى الدُّعَاءِ شَيْءٌ فَالْقِيَاسُ عَلَى الدُّعَاءِ غَلَطٌ وَخُرُوجٌ مِنْ بَابٍ إلَى بَابٍ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَإِمَّا أَنْ نَجْعَلَهُ خَاصًّا بِذَلِكَ الشَّخْصِ أَوْ نُعَارِضَهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَنُعَضِّدَهَا بِأَنَّهَا عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ فَإِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِانْتِقَالِ وَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَقُولُ إذَا قُرِئَ عِنْدَ الْقَبْرِ حَصَلَ لِلْمَيِّتِ أَجْرُ الْمُسْتَمِعِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ أَيْضًا لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الثَّوَابَ يَتْبَعُ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ فَمَا لَا أَمْرَ فِيهِ وَلَا نَهْيَ لَا ثَوَابَ فِيهِ بِدَلِيلِ الْمُبَاحَاتِ وَأَرْبَابِ الْفَتَرَاتِ وَالْمَوْتَى انْقَطَعَ عَنْهُمْ الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي.

وَإِذَا لَمْ يَكُونُوا مَأْمُورِينَ لَا يَكُونُ لَهُمْ ثَوَابٌ وَإِنْ كَانُوا مُسْتَمِعِينَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَهَائِمَ تَسْمَعُ أَصْوَاتَنَا بِالْقِرَاءَةِ وَلَا ثَوَابَ لَهَا لِعَدَمِ الْأَمْرِ لَهَا بِالِاسْتِمَاعِ فَكَذَلِكَ الْمَوْتَى وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ وَلَا يَقَعُ فِيهِ خِلَافٌ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُمْ بَرَكَةُ الْقِرَاءَةِ لَا ثَوَابُهَا كَمَا تَحْصُلُ لَهُمْ بَرَكَةُ الرَّجُلِ الصَّالِحِ يُدْفَنُ عِنْدَهُمْ أَوْ يُدْفَنُونَ عِنْدَهُ فَإِنَّ الْبَرَكَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْأَمْرِ فَإِنَّ الْبَهِيمَةَ يَحْصُلُ لَهَا بَرَكَةُ رَاكِبِهَا أَوْ مُجَاوِرِهَا وَأَمْرُ الْبَرَكَاتِ لَا يُنْكَرُ فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْصُلُ بَرَكَتُهُ لِلْبَهَائِمِ مِنْ الْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ ضَرَبَ فَرَسًا بِسَوْطٍ فَكَانَ لَا يُسْبَقُ بَعْدَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ كَانَ بَطِيءَ الْحَرَكَةِ وَحِمَارُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَذْهَبُ إلَى بُيُوتِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَدْعِيهِمْ إلَيْهِ بِنَطْحِ رَأْسِهِ الْبَابَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ بَرَكَاتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

لِلِاسْتِعْمَالِ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الشِّقِّ الْأَخِيرِ يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْلِيلِ الْأَصْلِ الَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ.

وَأَمَّا عَنْ الشِّقِّ الْأَوَّلِ فَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ مَا أَدْرِي مَا دَلِيلُ أَيْ الْمَازِرِيِّ وَالْغَزَالِيِّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ وَضْعِ لَفْظِ اسْقِنِي الْمَاءَ لِإِنْشَاءِ الطَّلَاقِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ لِاسْتِدْعَاءِ سَقْيِ الْمَاءِ بِوَضْعِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَقَالَ وَالصَّحِيحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَالِكًا وَإِنْ لَمْ يَجْزِمْ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ أَيْ التَّوْقِيفِ وَالِاصْطِلَاحِ فَلَمْ يَقُمْ عِنْدَهُ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ أَوْ جَزْمٌ بِأَنَّهَا اصْطِلَاحِيَّةٌ أَوْ جَزْمٌ بِأَنَّهَا تَوْقِيفِيَّةٌ لَكِنَّهُ لَمْ يَقُمْ عِنْدَهُ دَلِيلُ الْمَنْعِ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وَضَعَهُ اللَّهُ لَهُ إذْ لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِهَا تَوْقِيفِيَّةً أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَ مِنْ وَضْعِنَا إيَّاهَا لِمَعْنًى غَيْرِ مَا لَهُ وَضَعَهَا وَلَا مِنْ اسْتِعْمَالِهَا فِي ذَلِكَ، بَلْ مَعْنَى كَوْنِهَا تَوْقِيفِيَّةً أَنَّ اللَّهَ وَضَعَ الْأَلْفَاظَ كُلَّهَا لِمَعَانِيهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ مَنَعَنَا مِنْ وَضْعِ كُلِّ لَفْظٍ مِنْهَا لِغَيْرِ مَا وَضَعَهُ لَهُ أَوْ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ أَوْ النَّقْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ بِلَفْظِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

وَإِنْ كَانَ لِلْبَحْثِ فِيهِ مَجَالٌ فَتَأَمَّلْ بِإِمْعَانٍ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَفْظُ الطَّلَاقِ أَوْ طَالِقٍ أَوْ مُطَلَّقَةٍ يُفِيدُ زَوَالَ الْعِصْمَةِ إمَّا لُغَةً عَلَى الْمَذْهَبِ الَّذِي صَحَّحَهُ ابْنُ الشَّاطِّ.

وَإِمَّا عُرْفًا عَلَى مَذْهَبِ الْأَصْلِ وَلَفْظُ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ مُطَلَّقَةٌ أَوْ الطَّلَاقُ لَازِمٌ لِي يُفِيدُ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ عُرْفًا أَيْضًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَلَا يُفِيدُ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَإِنَّمَا يُفِيدُ الْخَبَرَ لُغَةً وَالشَّرْعُ يُقَدِّرُ وُقُوعَ مُخْبَرِهَا قَبْلَ النُّطْقِ بِهَا بِالزَّمَنِ الْفَرْدِ لِضَرُورَةِ تَصْدِيقِهِ، وَإِذَا صَارَ صَادِقًا لَزِمَهُ مَا نَطَقَ بِهِ مِنْ الطَّلَاقِ، وَأَمَّا لَفْظُ خَلِيَّةٍ عَلَى انْفِرَادِهِ فَلَا يُفِيدُ زَوَالَ الْعِصْمَةِ لَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا، بَلْ مَجَازًا وَمِثْلُهُ سَائِرُ الْأَلْفَاظِ وَالْكِنَايَاتُ الظَّاهِرَةُ وَلَفْظُ أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَإِنْ كَانَ يُفِيدُ بِجُمْلَتِهِ عُرْفًا الْإِنْشَاءَ إلَّا أَنَّ لَفْظَ خَلِيَّةٍ لَمَّا لَمْ يَكُنْ بِمُفْرَدِهِ يُفِيدُ عُرْفًا الطَّلَاقَ وَإِزَالَةَ الْعِصْمَةِ لَمْ يَكُنْ بِجُمْلَتِهِ يُفِيدُ عُرْفًا إنْشَاءَ الطَّلَاقِ وَإِزَالَةَ قَيْدِ الْعِصْمَةِ بِخُصُوصِهِ، وَكَذَا سَائِرُ أَلْفَاظِ الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ.

وَإِنَّمَا غَلَبَ فِي الْعُرْفِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّلَاقِ وَإِزَالَةُ الْعِصْمَةِ فَأُلْحِقَ لِذَلِكَ بِالصَّرِيحِ فِي اسْتِغْنَائِهِ عَنْ النِّيَّةِ لِقِيَامِ الْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ مَقَامَ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَنْصَرِفُ بِصَرَاحَتِهِ لِمَا وُضِعَ لَهُ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى نِيَّةٍ إذْ النِّيَّةُ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي اللَّفْظِ الْمُتَرَدِّدِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُرَادِ وَغَيْرِهِ لِتَمْيِيزِ الْمُرَادِ مِنْهُ عَنْ غَيْرِ الْمُرَادِ كَمَا فِي نَحْوِ اسْقِنِي الْمَاءَ مِمَّا لَمْ يَغْلِبْ مِنْ أَلْفَاظِ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّلَاقِ وَإِنَّمَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ مَجَازًا وَالْمَجَازُ يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ النَّاقِلَةِ عَنْ الْحَقِيقَةِ الَّتِي يَنْصَرِفُ إلَيْهَا اللَّفْظُ بِصَرَاحَتِهِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ وَلَمْ يَنْسَخْهَا عُرْفٌ فَكِنَايَةُ الطَّلَاقِ قِسْمَانِ ظَاهِرَةٌ وَهِيَ مَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعُرْفِ فِي الطَّلَاقِ فَأُلْحِقَ بِالصَّرِيحِ فِي اسْتِغْنَائِهِ عَنْ النِّيَّةِ وَخَفِيَّةٌ وَهِيَ مَا لَمْ يَغْلِبْ فِي الْعُرْفِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّلَاقِ، بَلْ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ مَجَازًا فَافْتَقَرَ إلَى النِّيَّةِ النَّاقِلَةِ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَيْهِ فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ مَنْقُولٌ فِي الْعُرْفِ مِنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ لِلطَّلَاقِ أَيْ إزَالَةِ الْعِصْمَةِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي مُسْتَعْمَلٌ فِي الطَّلَاقِ مَجَازًا وَالْمَنْقُولُ إمَّا أَنْ يُنْقَلَ لِأَصْلِ الطَّلَاقِ فَقَطْ فَيَصِيرُ فِي الْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ مِثْلُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي اللُّغَةِ فَيَلْزَمُهُ بِهِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَإِمَّا أَنْ يُنْقَلَ لِأَصْلِ الطَّلَاقِ مَعَ الْبَيْنُونَةِ مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ فَيَلْزَمُ بِهِ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُسَمَّاهُ الْعُرْفِيُّ وَإِمَّا أَنْ يُنْقَلَ لِلطَّلَاقِ وَالْبَيْنُونَةِ مَعَ وَصْفِ الْعَدَدِ الثَّلَاثِ فَيَلْزَمُهُ بِهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ وَيَصِيرُ النُّطْقُ بِذَلِكَ اللَّفْظِ عُرْفًا كَالنُّطْقِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لُغَةً إلَّا أَنَّ هَذَا إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ الثَّلَاثِ غَالِبًا وَفِي الثَّلَاثِ نَادِرًا فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقْصِدُ الِاحْتِيَاطَ فَيَحْمِلُهُ عَلَى الثَّلَاثِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْمِلُهُ عَلَى الْغَالِبِ فَيَلْزَمُهُ بِهِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ.

فَاخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الصِّيَغِ

<<  <  ج: ص:  >  >>