للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحُرِّيَّةَ حَالَةَ الصِّحَّةِ لَمَّا لَمْ يَجُزْ التَّرَاضِي عَلَى انْتِفَاضِهَا لَمْ تَجُزْ الْقُرْعَةُ فِيهَا، وَالْأَمْوَالُ يَجُوزُ التَّرَاضِي فِيهَا فَدَخَلَتْ الْقُرْعَةُ فِيهَا. وَالْجَوَابُ (عَنْ الْأَوَّلِ) أَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا وَقَعَ فِيمَا يَمْلِكُ، وَمَا قَالَ الْعِتْقُ فِي كُلِّ مَا يَمْلِكُ فَإِذَا نَفَذَ الْعِتْقُ فِي عَبْدَيْنِ وَقَعَ الْعِتْقُ فِيمَا يَمْلِكُ.

وَقَوْلُهُمْ إنَّهَا قَضِيَّةُ عَيْنٍ فَنَقُولُ هِيَ وَرَدَتْ فِي تَمْهِيدِ قَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ كَالرَّجْمِ وَغَيْرِهِ فَتَعُمُّ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ» ، وَقَوْلُهُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ شَائِعًا بَاطِلًا بِالْقُرْعَةِ لِأَنَّهَا لَا مَعْنَى لَهَا مَعَ الْإِشَاعَةِ، وَاتِّفَاقُهُمْ فِي الْقِيمَةِ لَيْسَ مُتَعَذَّرًا عَادَةً لَا سِيَّمَا مَعَ الْجَلْبِ وَوَخْشِ الرَّقِيقِ (وَعَنْ الثَّانِي) أَنَّ الْمَيْسِرَ هُوَ الْقِمَارُ، وَتَمْيِيزُ الْحُقُوقِ لَيْسَ قِمَارًا، وَقَدْ أَقْرَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَزْوَاجِهِ وَغَيْرِهِمْ، وَاسْتُعْمِلَتْ الْقُرْعَةُ فِي شَرَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: ١٤١] الْآيَةَ، وَ {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: ٤٤] وَلَيْسَ فِيهَا نَقْلُ الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ عِتْقَ الْمَرِيضِ لَمْ يَتَحَقَّقْ لِأَنَّهُ إنْ صَحَّ عَتَقَ الْجَمِيعُ، وَإِنْ طَرَأَتْ دُيُونٌ بَطَلَ، وَإِنْ مَاتَ، وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ فَلَمْ يَقَعْ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْعِتْقِ إلَّا مَا أَخْرَجَتْهُ الْقُرْعَةُ (وَعَنْ الثَّالِثِ) أَنَّ مَقْصُودَ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ التَّمْلِيكُ، وَهُوَ حَاصِلٌ فِي مِلْكِ الشَّائِعِ كَغَيْرِهِ، وَمَقْصُودُ الْعِتْقِ التَّخْلِيصُ لِلطَّاعَاتِ.

وَالِاكْتِسَابُ، وَلَا يَحْصُلُ مَعَ التَّبْعِيضِ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ شَائِعًا لَا يُؤَخِّرُ حَقَّ الْوَارِثِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَصِيَّةِ، وَهَاهُنَا يَتَأَخَّرُ بِالِاسْتِسْعَاءِ (وَعَنْ الرَّابِعِ) أَنَّ الْبَيْعَ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْوَارِثِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَا

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

الْجَلْدِ، وَالْأَصْلُ اسْتِصْحَابُ الْعَدَالَةِ وَالْحَالَةُ السَّابِقَةُ، وَاحْتَجُّوا بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ أَنَّ الْآيَةَ اقْتَضَتْ تَرْتِيبَ الْفِسْقِ عَلَى الْقَذْفِ.

وَقَدْ تَحَقَّقَ الْقَذْفُ فَيَتَحَقَّقُ الْفِسْقُ سَوَاءٌ جُلِدَ أَمْ لَا، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْآيَةَ اقْتَضَتْ صِحَّةَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَبُطْلَانَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: ٤] فَرَتَّبَ رَدَّ الشَّهَادَةِ وَالْفِسْقَ عَلَى الْجَلْدِ، وَتَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَدُلُّ عَلَى عَلِيَّةِ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ فَيَكُونُ الْجَلْدُ هُوَ السَّبَبُ الْمُفَسِّقُ فَحَيْثُ لَا جَلْدَ لَا فُسُوقَ، وَهُوَ مَطْلُوبُنَا، وَعَكْسُ مَطْلُوبِكُمْ، وَالْوَجْهُ (الثَّانِي) أَنَّ الْجَلْدَ فَرْعُ ثُبُوتِ الْفِسْقِ فَلَوْ تَوَقَّفَ الْفِسْقُ عَلَيْهِ لَزِمَ الدَّوْرُ، وَالْوَجْهُ (الثَّالِثُ) أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ إلَى حَيْثُ تَيَقُّنِ الْعَدَالَةَ، وَلَمْ تُتَيَقَّنْ هُنَا فَتُرَدُّ، وَجَوَابُهُمْ أَنَّ كَوْنَ الْجَلْدِ فَرْعُ ثُبُوتِ الْفِسْقِ ظَاهِرٌ ظُهُورًا ضَعِيفًا لِجَوَازِ رُجُوعِ الْبَيِّنَةِ أَوْ تَصْدِيقِ الْمَقْذُوفِ فَإِذَا أُقِيمَ الْجَلْدُ قَوِيَ الظُّهُورُ بِإِقْدَامِ الْبَيِّنَةِ وَتَصْمِيمِهَا عَلَى أَذِيَّتِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَقْذُوفُ، وَحِينَئِذٍ نَقُولُ أَنَّ مُدْرَكَ رَدِّ الشَّهَادَةِ إنَّمَا هُوَ الظُّهُورُ الْقَوِيُّ لِأَنَّهُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْعَدَالَةِ السَّابِقَةِ اهـ بِإِصْلَاحٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(الْفَرْقُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ وَالْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ التُّهْمَةِ الَّتِي تُرَدُّ بِهَا الشَّهَادَةُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُرَدُّ بِهِ)

قَدْ عَلِمْت مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ التُّهْمَةَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: (الْأَوَّلُ) تُهْمَةُ الِاجْتِرَاءِ عَلَى الْكَذِبِ الَّتِي سَبَبُهَا ارْتِكَابُ بَعْضِ الْمَعَاصِي، وَقَدْ تَضَمَّنَهَا الرُّكْنُ الْأَوَّلُ مِنْ رُكْنَيْ الشَّهَادَةِ، وَالثَّانِي تُهْمَةُ خَلَلِ الْعَقْلِ الَّتِي سَبَبُهَا فِعْلُ بَعْضِ الْمُبَاحَاتِ، وَالثَّالِثُ تُهْمَةُ الِاجْتِرَاءِ عَلَى الْكَذِبِ الَّتِي سَبَبُهَا الْمَحَبَّةُ بِنَحْوِ الْقَرَابَةِ أَوْ الْبِغْضَةِ بِالْعَدَاوَةِ، وَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ الرُّكْنُ الثَّانِي مِنْهُمَا، وَالْمُرَادُ هُنَا الْقِسْمُ الثَّالِثُ، وَالْأُمَّةُ مُجْمِعَةٌ عَلَى رَدِّ الشَّهَادَةِ بِتُهْمَةٍ سَبَبُهَا مَا ذُكِرَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ التُّهْمَةَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَيْضًا:

(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مُجْمَعٌ عَلَى اعْتِبَارِهَا لِفَوْتِهَا كَشَهَادَةِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ، وَكَشَهَادَةِ الْأَبِ لِابْنِهِ، وَالْأُمِّ لِابْنِهَا، وَبِالْعَكْسِ فَقَدْ ذَهَبَ شُرَيْحٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد إلَى أَنَّ شَهَادَةَ الْأَبِ لِابْنِهِ تُقْبَلُ فَضْلًا عَمَّنْ سِوَاهُ إذَا كَانَ الْأَبُ عَدْلًا لِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [النساء: ١٣٥] فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي إجْرَاءَ الْمَأْمُورِ إلَّا مَا خَصَّصَهُ الْإِجْمَاعُ مِنْ شَهَادَةِ الْمَرْءِ لِنَفْسِهِ الثَّانِي إنْ رَدَّ الشَّهَادَةَ بِالْجُمْلَةِ إنَّمَا هُوَ لِمَوْضِعِ اتِّهَامِ الْكَذِبِ، وَهَذِهِ التُّهْمَةُ إنَّمَا اعْتَمَلَهَا الشَّرْعُ فِي الْفَاسِقِ، وَمَنَعَ إعْمَالَهَا فِي الْعَادِلِ فَلَا تَجْتَمِعُ الْعَدَالَةُ مَعَ التُّهْمَةِ

(وَالْقِسْمُ الثَّانِي) مُجْمَعٌ عَلَى إلْغَائِهَا لِخِفَّتِهَا كَشَهَادَةِ الْإِنْسَانِ لِرَجُلٍ مِنْ قَبِيلَتِهِ قَالَ فِي الْبِدَايَةِ، وَمِنْهُ شَهَادَةُ الْأَخِ لِأَخِيهِ مَا لَمْ يَدْفَعْ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ عَارًا عَلَى مَا قَالَ مَالِكٌ وَمَا لَمْ يَكُنْ مُنْقَطِعًا إلَى أَخِيهِ يَنَالُهُ بِرُّهُ، وَصِلَتُهُ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى إسْقَاطِ التُّهْمَةِ فِيهَا مَا عَدَا الْأَوْزَاعِيَّ فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ، وَمُفَادُ كَلَامِ الْأَصْلِ أَنَّ التُّهْمَةَ فِيهَا تُلْغَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ، وَتُعْتَبَرُ عِنْدَنَا مُطْلَقًا، وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ فَانْظُرْ ذَلِكَ

(وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ) مُخْتَلَفٌ فِيهَا هَلْ تَلْحَقُ بِالرُّتْبَةِ الْعُلْيَا فَتُمْنَعُ أَوْ بِالرُّتْبَةِ الدُّنْيَا فَلَا تُمْنَعُ، وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ شَهَادَةُ الزَّوْجَيْنِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ فَإِنَّ مَالِكًا وَأَبَا حَنِيفَةَ وَابْنَ حَنْبَلٍ رَدُّوهَا، وَأَجَازَهَا الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْحَسَنُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى تُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجِ لِزَوْجَتَيْهِ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا لَهُ، وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ، وَمِنْهَا شَهَادَةُ الشَّاهِدِ لِصَدِيقِهِ الْمُلَاطِفِ فَتُرَدُّ عِنْدَنَا، وَتُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>