للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَشِيئَةُ الْمَفْرُوضَةُ أَمَّا الِارْتِبَاطُ بِهَا فَلَمْ يُجْعَلْ شَرْطًا أَصْلًا وَلَا تَنَافِي بَيْنَ قِدَمِ الِارْتِبَاطِ وَحُدُوثِ الْمُرْتَبِطِ وَالْمُرْتَبَطِ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الِارْتِبَاطَ وَاقِعٌ بَيْنَ الْأَجْسَامِ وَالْأَكْوَانِ الَّتِي هِيَ الْحَرَكَةُ وَالسُّكُونُ وَالِاجْتِمَاعُ وَالِافْتِرَاقُ وَأَنَّ هَذَا الِارْتِبَاطَ وَاجِبٌ عَقْلًا لَا يَقْبَلُ الْعَدَمَ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَجْسَامُ وَالْأَعْرَاضُ حَادِثَةٌ وَسِرُّهُ أَنَّ الِارْتِبَاطَ حُكْمٌ وَنِسْبَةٌ وَإِضَافَةٌ لَا تَقْبَلُ الْوُجُودَ الْخَارِجِيَّ بَلْ الذِّهْنِيَّ فَقَطْ كَالْإِمْكَانِ وَالِاسْتِحَالَةِ حُكْمَانِ أَزَلِيَّانِ وَالْمُمْكِنَاتُ حَادِثَةٌ.

(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) نَصَّ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ حَيْثُ وَأَيْنَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا إذَا قَالَ لَهَا: حَيْثُ وَجَدْتُك أَوْ أَيْنَ وَجَدْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَجَدَهَا طَلُقَتْ ثُمَّ وَجَدَهَا فِي عِدَّتِهَا مِرَارًا أَنْ تَطْلُقَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا لِأَجْلِ الْعُمُومِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي مَتَى وَلَا يَلْزَمُ بِهَا إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ مُقْتَضَى نَصِّهِمْ عَلَى الْعُمُومِ التَّكْرِيرُ تَحْقِيقًا لِلْعُمُومِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْعَامِّ فَإِنَّ الْمُطْلَقَ هُوَ الَّذِي يُقْتَصَرُ مِنْهُ عَلَى فَرْدٍ أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّمَا لَمَّا كَانَتْ لِلْعُمُومِ تَكَرَّرَ الطَّلَاقُ بِتَكَرُّرِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَكَرَّرَ دُخُولُهَا فِي عِدَّتِهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعُمُومِ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَتَى مَا وَكُلَّمَا وَمَا مَعْنَى مَا فِيهِمَا؟ .

وَالْجَوَابُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: عَامٍّ عَلَى عَامٍّ وَمُطْلَقٍ عَلَى مُطْلَقٍ وَمُطْلَقٍ عَلَى عَامٍّ وَعَامٍّ عَلَى مُطْلَقٍ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ تَعْلِيقُ عَامٍّ عَلَى عَامٍّ فَهُوَ نَحْوُ كُلَّمَا دَخَلْت

ــ

[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]

الْمَشِيئَةُ الْمَفْرُوضَةُ لَا تَصِحُّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فَجَوَابُهُ بَاطِلٌ.

قَالَ: (وَلَا تَنَافِي بَيْنَ قِدَمِ الِارْتِبَاطِ وَحُدُوثِ الْمُرْتَبِطِ وَالْمُرْتَبِطَةِ) قُلْتُ: بَلْ ذَلِكَ مُتَنَافٍ فَإِنَّ الْحَادِثَ لَا يَتَّصِفُ بِالْقَدِيمِ كَمَا أَنَّ الْقَدِيمَ لَا يَتَّصِفُ بِالْحَادِثِ.

قَالَ: (أَلَا تَرَى أَنَّ الِارْتِبَاطَ وَاقِعٌ بَيْنَ الْأَجْسَامِ وَالْأَكْوَانِ الَّتِي هِيَ الْحَرَكَةُ وَالسُّكُونُ وَالِاجْتِمَاعُ وَالِافْتِرَاقُ) قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ وَأَنَّهُ غَيْرُ الْعِلْمِ وَهُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْمَشْكُوكِ فِيهَا وَقَوْلُهُ كَالْإِمْكَانِ وَالِاسْتِحَالَةِ حُكْمَانِ أَزَلِيَّانِ لَا يَصِحُّ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَا ذِهْنِيَّيْنِ أَوْ خَارِجِيَّيْنِ فَإِنْ كَانَا ذِهْنِيَّيْنِ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَا أَزَلِيَّيْنِ وَلَا ذِهْنَ فِي الْأَزَلِ وَإِنْ أَرَادَ خَارِجِيَّيْنِ فَكَيْفَ يَصِحُّ وَالْمُسْتَحِيلُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا فَوَصْفُهُ كَذَلِكَ وَالْإِمْكَانُ لَيْسَ بِأَزَلِيٍّ فَوَصْفُهُ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُمَا مَعْلُومَانِ لِلَّهِ فَيَعُودُ الْأَمْرُ إلَى أَنَّهُمَا مُتَعَلِّقَانِ لِعِلْمِهِ تَعَالَى وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ نَصَّ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ حَيْثُ وَأَيْنَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا إذَا قَالَ: لَهَا حَيْثُ وَجَدْتُك أَوْ أَيْنَ وَجَدْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَجَدَهَا فَطَلُقَتْ، ثُمَّ وَجَدَهَا فِي عِدَّتِهَا مِرَارًا أَنْ تَطْلُقَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا لِأَجْلِ الْعُمُومِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي مَتَى مَا لِلْعُمُومِ وَلَا يَلْزَمُ بِهَا إلَّا طَلْقَةُ وَاحِدَةٌ وَهُوَ مُشْكِلٌ إلَى آخِرِ تَقْرِيرِهِ السُّؤَالَ) قُلْتُ: وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْوَاقِعَةِ لِي مِنْ هَذَا الْكِتَابِ مَتَى مَا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مَتَى دُونَ مَا كَحَيْثُ وَأَيْنَ وَقَدْ قَالَ: فِي آخِرِ إيرَادِ السُّؤَالِ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ كُلَّمَا وَمَتَى مَا وَمَا مَعْنَى مَا فِيهِمَا فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ تَمْثِيلَهُ بِمَتَى إنَّمَا هُوَ بِإِثْبَاتِ مَا.

قَالَ: (وَالْجَوَابُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: تَعْلِيقُ عَامٍّ عَلَى عَامٍّ وَمُطْلَقٍ عَلَى مُطْلَقٍ وَمُطْلَقٍ عَلَى عَامٍّ وَعَامٍّ عَلَى مُطْلَقٍ فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَهُوَ نَحْوُ كُلَّمَا دَخَلْت

ــ

[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]

بَعْدَهُ فَإِنَّهُمَا مَعًا جُعِلَا شَرْطَيْنِ فِي الطَّلَاقِ وَلَمْ يُجْعَلْ أَحَدُهُمَا شَرْطًا فِي الْآخَرِ الْقِسْمُ الثَّالِثُ تَعَدُّدُ الشَّرْطِ اللُّغَوِيِّ كَذَلِكَ بِالْعَطْفِ بِغَيْرِ الْوَاوِ وَمَعَ عَدَمِ تَكَرُّرِ حَرْفِ الشَّرْطِ فِي الْفَاءِ وَثُمَّ وَأَوْ وَمَعَ تَكَرُّرِهِ فِي حَتَّى وَبَلْ وَلَا وَلَكِنْ وَأَمَّا فَفِي نَحْوِ إنْ أَكَلْت فَلَبِسْت أَوْ ثُمَّ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ بِفِعْلِهِمَا عَلَى تَرْتِيبِهِمَا فِي اللَّفْظِ وَكَذَلِكَ فِي إنْ أَكَلْت حَتَّى لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ يَقْتَضِي اللَّفْظُ تَأْخِيرَ اللُّبْسِ مَعَ تَكَرُّرِ الْأَكْلِ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمُغَيَّا لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ قَبْلَ الْغَايَةِ وَيَتَكَرَّرُ إلَيْهَا وَفِي نَحْوِ: إنْ أَكَلْت بَلْ إنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ إلَّا بِاللُّبْسِ لِأَنَّهُ هُوَ الشَّرْطُ وَحْدَهُ.

وَأَمَّا الْأَكْلُ فَقَدْ أُلْغِيَتْ شَرْطِيَّتُهُ بِالْإِضْرَابِ عَنْهُ بِبَلْ وَكَذَلِكَ فِي نَحْوِ إنْ لَمْ تَأْكُلِي لَكِنْ إنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ الشَّرْطُ هُوَ الثَّانِي وَحْدَهُ.

وَقَدْ أُلْغِيَ الْأَوَّلُ بِلَكِنْ لِأَنَّهَا لِلِاسْتِدْرَاكِ وَفِي نَحْوِ إنْ أَكَلْت لَا إنْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ إلَّا بِالْأَوَّلِ لِأَنَّهُ هُوَ الشَّرْطُ وَحْدَهُ لِأَنَّ لَا لِإِبْطَالِ الثَّانِي وَفِي نَحْوِ إنْ أَكَلْت أَوْ لَبِسْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَنَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ أَمَّا إنْ أَكَلْت وَأَمَّا إنْ لَبِسْت يَلْزَمُ الطَّلَاقُ بِوُقُوعِ أَيُّهُمَا لِأَنَّ الشَّرْطَ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ حُرُوفِ الْعَطْفِ إلَّا أَمْ وَهِيَ مُتَعَذِّرَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهَا لِلِاسْتِفْهَامِ وَالْمُسْتَفْهِمُ غَيْرُ جَازِمٍ بِشَيْءٍ وَالْمُعَلِّقُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جَازِمًا فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِمُرَاعَاةِ التَّعْقِيبِ فِي الْفَاءِ وَالتَّرَاخِي فِي ثُمَّ بِأَنْ يَقُولُوا: إنْ لَمْ يَقَعْ الثَّانِي عَقِيبَ الْأَوَّلِ فِي صُورَةِ الْفَاءِ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ وَلَا إنْ لَمْ يَتَرَاخَ الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ فِي صُورَةٍ ثُمَّ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ مُقْتَضَى اللُّغَةِ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمَّا أَلْغَتْهُ وَأَمْرُ الْأَيْمَانِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَوَائِدِ لَمْ يَعْتَبِرُوا ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(الْفَرْقُ الرَّابِعُ) بَيْنَ قَاعِدَتَيْ إنْ وَلَوْ الشَّرْطِيَّتَيْنِ الْأَكْثَرُ فِي أَنَّ إنْ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ وَقَدْ تَتَعَلَّقُ بِالْمَاضِي لَفْظًا وَمَعْنًى قِيَاسًا مُطَّرِدًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>