للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأمَّا القول الأوَّل: فذهب إليه جَمْهرةٌ مِن المُحقِّقين (١)، منهم القاضي عياض، حيث قال: «اختُلِف في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «اشتكت النَّار إلى ربها .. » الحديث، وقولِهِ: « .. فإنَّ شدَّة الحرِّ من فيح جهنَّم»، فحمَله بعضهم على ظاهره، وقال: شكواها حقيقة، [و] (٢) أنَّ شدَّة الحرِّ من وهَج جهنَّم حقيقةً؛ على ما جاء ما في الحديث، وأنَّ الله أَذِن لها بنفَسَين: نَفَسٍ في الَّصيف، ونَفَسٍ في الشِّتاء ... وقيل: إنَّه كلام خَرَج مخرج التَّشبيه والتَّقريب ... وكِلا الوَجهين (٣) ظاهر، والأوَّل أَظهر، وحمْلُه على الحقيقة أوْلى» (٤).

وقال النَّووي بعد نقلِه كلام القاضي عياض موافقًا له: «الصَّواب الأوَّل؛ لأنَّه ظاهر الحديث، ولا مانع مِن حملِه على حقيقتِه، فوَجب الحكم بأنَّه على ظاهره والله أعلم» (٥).

وأمَّا القول الثَّاني: فمِمَّن ذهب إليه: ابن الأثير (٦)، واحتملَه الخَطَّابيُّ وجهًا في معنى الحديث (٧)، وهو مَذهب القَرَضاوي مِن المعاصرين (٨).

والرَّاجح بادئ الرَّأي من القولين، ما ذهب إليه أَصحاب القول الأوَّل مِن حَمْلِ الحديث على الحقيقة، إذ المَصير إلى الأصل الظَّأهر هو الأقوى مِن جهة


(١) انظر «التمهيد» لابن عبد البر (١/ ٢٦٣)، و «إكمال المعلم» للقاضي عياض (٢/ ٥٨٢ - ٥٨٣)، و «المسالك شرح موطأ مالك» لابن العربي (١/ ٤٥٦)، و «شرح صحيح مسلم» للنووي (٥/ ١٢٠)، و «المفهم» للقرطبي (٢/ ٢٤٤)، و «فتح الباري» لابن رجب (٤/ ٢٤٤)، و «فتح الباري» لابن حجر (٢/ ١٧)، و «فيض القدير» للمناوي (٧/ ١٠).
(٢) ما بين المعقوفتين زيادة ليستقيم بها الكلام.
(٣) يعني الحقيقة والمجاز.
(٤) «إكمال المعلم» (٢/ ٥٨٢ ـ ٥٨٣).
(٥) «شرح صحيح مسلم» للنووي (٥/ ١٢٠).
(٦) «النهاية في غريب الحديث» (٣/ ٤٨٤).
(٧) وليس كما نسبه إليه ابن الملِك الحنفي في «مبارق الأزهار» (١/ ٣٠٢) أن المجاز مذهبه في الحديث، إنَّما جعَلَ الخطابيُّ هذا المجاز وجهًا في معنى الحديث، مع إيراده للوجه الآخر في كونه حقيقة، ولم يرجِّح بينهما، كما تراه في كتابه «معالم السُّنن» (١/ ١٢٩).
(٨) «كيف نتعامل مع السنة النبوية» (ص/١٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>