للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنده: احتجاج الشَّيخينِ بمَراسيلِ الصَّحابة رضي الله عنهم مُطلقًا! ومثَّل ببعضِ صِغار الصِّحابة، كابن عبَّاس، والنُّعمان بن بشير، وأبي الطُّفيل، وعبد الله بن الزُّبير؛ مُبديًا اعتراضَه على فكرةِ التَّسليم بعَدالةِ الصَّحابةِ وضبطِهم من الأساس، وأنْ لابدَّ مِن عَرضِهم كغيرهم مِن طبقاتِ الرُّواة على مَشارحِ علمِ الجرحِ والتَّعديل! متذرِّعًا في ذلك بوجودِ المُنافقين في مجتمعِ الصَّحابة!

وهذا لا شكَّ خلاف إجماعِ أهل السُّنة، وهو الَّذي يَدَّعي الانتسابَ إلى مُتكلِّمِيهم وهم منه بَراءٌ! مُتناسيًا أنَّ المنافقين خارجون عن تعريف الصَّحابيِّ مِن الأصل، فالصَّحابيُّ هو مَن لَقِي النَّبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به، وماتَ على ذلك؛ أمَّا المنافقون فكَفَرةٌ في الأصل، لمْ تخفَ أمَاراتُهم على المُؤمِنين عهدَ النَّبي صلى الله عليه وسلم، ولا جهِلوا خُبثَهم الجاري في لَحنِ قَولِهم، بل كانوا مَعروفين لَدى عَددٍ مِن الصَّحابة، أشهرُهم حُذيفة بن اليَمان رضي الله عنه (١).

يقول الخطيب البغداديُّ (ت ٤٦٣ هـ) مُعقِّبًا على جملةِ ما أورَدَه مِن دلائل على عدالة الصَّحابة مِن الكتابِ والسُّنة:

« .. والأخبارُ في هذا المعنى تتَّسع، وكلُّها مُطابقةٌ لمِا ورد في نصِّ القرآن، وجميعُ ذلك يَقتضي طهارةَ الصَّحابة، والقطعَ على تعديلِهم ونزاهتِهم، فلا يَحتاج أحدٌ منهم مع تعديلِ الله تعالى لهم، المُطَّلعِ على بواطنِهم، إلى تعديلِ أحدٍ مِن الخلقِ لهم، فهم على هذه الصَّفةِ، إلَّا أن يثبُت على أحدِهم ارتكابُ ما لا يحتمِل إلَّا قصدَ المعصية، والخروجَ مِن بابِ التَّأويل، فيُحكَم بسقوطِ عدالتِه، وقد برَّأهم الله تعالى مِن ذلك، ورَفع أقدارَهم عنه.

على أنَّه لو لم يَرِد مِن الله عز وجل ورسولِه فيهم شيءٌ ممَّا ذكرناه، لأوجَبَت الحالُ الَّتي كانوا عليها، مِن الهجرة، والجهاد، والنُّصرة، وبذل المُهج والأموال، وقتلَ الآباء والأولاد، والمُناصحة في الدِّين، وقوَّة الإيمان واليقين:


(١) كما في البخاري (ك: التفسير، باب {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ}، رقم: ٤٦٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>