للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول ابن كثير: «هذه مفاتيح الغيب الَّتي استأثر الله تعالى بعلمها، فلا يعلمها أحد إلَّا بعد إعلامه تعالى بها؛ فعلم وقت السَّاعة لا يعلمه نبيٌّ مرسل ولا ملَك مقرَّب؛ وكذلك إنزال الغيث لا يعلمه إلَّا الله، ولكن إذا أمر به عَلِمتهُ الملائكة الموكَّلون بذلك، ومَن شاء الله مِن خلقِه؛ وكذلك لا يعلم ما في الأرحام ممَّا يريد أن يخلقه الله تعالى سواه، ولكن إذا أمر بكونه ذكرًا أو أنثى، أو شقيًّا أو سعيدًا علم الملائكة الموكَّلون بذلك، ومن شاء الله من خلقِه» (١).

فقد قسَّم ابن كثير هذين الغَيبَين الأخيرين إلى قسمين:

قِسم يتعلَّق بالحَدَث قبل إيجادِه، أي قبل تكوُّنِ الغيثِ واكتمالِ كلِّ أسباب الإمطار منه، وقبل تكوُّن ما في الأرحام وبروزه لعالم الشَّهادة: فهذا القدر هو الَّذي يدخل فيما اختصَّ الله وحده بعلمه، وهو المقصود ابتداءً من الآية، بنصِّ الحديث الَّذي حدَّدها بأنَّها مفاتح للغيب خمسة.

وأمَّا القسم الثَّاني: فبعد بروزهما لعالمِ الشَّهادة، وخضوعهما لسُنَن التَّسخيرِ والخلق، فهذا الَّذي يُمكن لبعضِ الخلقِ العلم به بتعليمِ الله إيَّاه، «وهو لا يُنافي الاختصاصَ والاستئثارَ بعلمِ المَذكورات، لأنَّ المُراد بالعلمِ الَّذي استأثر به سبحانه: العلمُ الكامل بأحوال كلٍّ على التَّفصيل، وما يعلم به الملَك، ويطَّلع عليه بعض الخواصِّ دون ذلك العلم الكامل» (٢).

ولذا فإنِّي على يقين أنَّ الإنسان سيظلُّ عاجزًا عن إدراكِ سِرِّ إنشائِه في بطنِ أمِّه، وعن معرفةِ كمالِ تخليقِه في أطوارِه مِن نقصانِه.

كذلك سيظلُّ هذا الإنسان عاجزًا عن معرفةٍ قطعيَّةٍ بوقتِ نزولِ المطر قبل تكوُّن السُّحب الممطرة، أو أثناء تكوُّن أطوارها الأولى، ولن يزال الظَّن والاحتمال ديدنَ علماء الأرصاد في حديثهم عن وقتِ نزول الأمطار، ولو بعد بروز السُّحب الممطرة لعالم الشَّهادة وخضوعها لسُنَنِه!


(١) «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (٦/ ٣٥٢).
(٢) «كوثر المعاني الدراري» لمحمد الخضر الشنقيطي (٢/ ٣٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>