للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النّسَاءَ، إنّ قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ مِثْلُ قَوْلِي لِامْرَأَةِ وَاحِدَة. وَيُقَالُ: وَضَعَ عَلَى يَدِهِ ثَوْبًا ثُمّ مَسَحْنَ عَلَى يَدِهِ يَوْمَئِذٍ. وَيُقَالُ: كَانَ يُؤْتَى بِقَدَحِ مِنْ مَاءٍ، فَيُدْخِلُ يَدَهُ فِيهِ ثُمّ يَدْفَعُهُ إلَيْهِنّ فَيُدْخِلْنَ أَيْدِيَهُنّ فِيهِ. وَالْقَوْلُ الْأَوّلُ أَثْبَتُهَا عِنْدَنَا:

«إنّي لَا أُصَافِحُ النّسَاءَ» . ثُمّ قَالَتْ أُمّ حَكِيمٍ امْرَأَةُ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ:

يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ هَرَبَ عِكْرِمَةُ مِنْك إلَى الْيَمَنِ، وَخَافَ أَنْ تَقْتُلَهُ فَأَمّنْهُ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ آمِنٌ. فَخَرَجَتْ أُمّ حَكِيمٍ فِي طَلَبِهِ وَمَعَهَا غُلَامٌ لَهَا رُومِيّ، فَرَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَجَعَلَتْ تُمَنّيهِ حَتّى قَدِمَتْ عَلَى حَيّ مِنْ عَكّ [ (١) ] ، فَاسْتَغَاثَتْهُمْ عَلَيْهِ فَأَوْثَقُوهُ رِبَاطًا، وَأَدْرَكَتْ عِكْرِمَةَ وَقَدْ انْتَهَى إلَى سَاحِلٍ مِنْ سَوَاحِلِ تِهَامَةَ فَرَكِبَ الْبَحْرَ، فَجَعَلَ نُوَتِي السّفِينَةَ يَقُولُ له: أخلص! قال: أَيّ شَيْءٍ أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ. قَالَ عِكْرِمَةُ: مَا هَرَبْت إلّا مِنْ هَذَا. فَجَاءَتْ أُمّ حَكِيمٍ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ، فَجَعَلَتْ تُلِحّ إلَيْهِ وَتَقُولُ: يَا ابْنَ عَمّ، جِئْتُك مِنْ عِنْدِ أَوْصَلِ النّاسِ وَأَبَرّ النّاسِ وَخَيْرِ النّاسِ، لَا تُهْلِكْ نَفْسَك. فَوَقَفَ لَهَا حَتّى أَدْرَكَتْهُ فَقَالَتْ: إنّي قَدْ اسْتَأْمَنْت لَك مُحَمّدًا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: أَنْتِ فَعَلْت؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَنَا كَلّمْته فَأَمّنَك. فَرَجَعَ مَعَهَا وَقَالَ: مَا لَقِيت مِنْ غُلَامِك الرّومِيّ؟ فَخَبّرَتْهُ خَبَرَهُ فَقَتَلَهُ عِكْرِمَةُ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ لَمْ يُسْلِمْ. فَلَمّا دَنَا مِنْ مَكّةَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: يَأْتِيكُمْ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مُؤْمِنًا مُهَاجِرًا، فَلَا تَسُبّوا أَبَاهُ [ (٢) ] ، فَإِنّ سَبّ الْمَيّتِ يُؤْذِي الْحَيّ وَلَا يَبْلُغُ الْمَيّت. قَالَ:

وَجَعَلَ عِكْرِمَةُ يَطْلُبُ امْرَأَتَهُ يُجَامِعَهَا، فَتَأْبَى عَلَيْهِ وَتَقُولُ: إنّك كَافِرٌ وَأَنَا مُسْلِمَةٌ.

فَيَقُولُ: إنّ أَمْرًا مَنَعَك مِنّي لَأَمْرٌ كَبِيرٌ. فَلَمّا رَأَى النبىّ صلّى الله عليه وسلّم


[ (١) ] عك: مخلاف من مخاليف مكة التهامية. (معجم ما استعجم، ص ٢٢٣) .
[ (٢) ] فى الزرقانى، عن الواقدي: «فلا تسبوا أبر الناس» . (شرح على المواهب اللدنية، ج ٢، ص ٣٧٦) .