للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللهِ، وَلَا قِتَالًا [ (١) ] كُنْت أُقَاتِلُ فِي صَدّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إلّا أَبْلَيْت ضِعْفَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ. ثُمّ اجْتَهَدَ فِي الْقِتَالِ حَتّى قُتِلَ شَهِيدًا، فَرَدّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَتَهُ بِذَلِكَ النّكَاحِ الْأَوّلِ.

وَأَمّا صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ، فَهَرَبَ حَتّى أَتَى الشّعَيْبَةَ [ (٢) ] ، وَجَعَلَ يَقُولُ لِغُلَامِهِ يَسَارٍ وَلَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ: وَيْحَك، اُنْظُرْ مَنْ تَرَى! قَالَ: هَذَا عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ. قَالَ صَفْوَانُ: مَا أَصْنَعُ بِعُمَيْرِ؟ وَاَللهِ مَا جَاءَ إلّا يُرِيدُ قَتْلِي، قَدْ ظَاهَرَ مُحَمّدًا عَلَيّ. فَلَحِقَهُ فَقَالَ: يَا عُمَيْرُ، مَا كَفَاك مَا صَنَعْت بِي؟ حَمّلْتنِي دَيْنَك وَعِيَالَك، ثُمّ جِئْت تُرِيدُ قَتْلِي! قَالَ: أَبَا وَهْبٍ، جُعِلْت فِدَاك! جِئْتُك مِنْ عِنْدِ أَبَرّ النّاسِ وَأَوْصَلِ النّاسِ. وَقَدْ كَانَ عُمَيْرٌ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، سَيّدُ قَوْمِي خَرَجَ هَارِبًا لِيَقْذِفَ نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ، وَخَافَ أَلّا تُؤَمّنَهُ، فَأَمّنْهُ فداك أبي وأمي! فقال رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَمّنْته. فَخَرَجَ فِي أَثَرِهِ، فَقَالَ: إنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمّنَك. فَقَالَ صَفْوَانُ: لَا وَاَللهِ، لَا أَرْجِعُ مَعَك حَتّى تَأْتِيَنِي بِعَلَامَةِ أَعْرِفُهَا. فَرَجَعَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، جِئْت صَفْوَانَ هَارِبًا يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ فَأَخْبَرْته بِمَا أَمّنْته: فَقَالَ: لَا أَرْجِعُ حَتّى تَأْتِيَ بِعَلَامَةِ أَعْرِفُهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذْ عِمَامَتِي.

قَالَ: فَرَجَعَ عُمَيْرٌ إلَيْهِ بِهَا، وَهُوَ الْبُرْدُ الّذِي دَخَلَ فِيهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ مُعْتَجِرًا [ (٣) ] بِهِ، بُرْدَ حِبَرَةٍ [ (٤) ] . فَخَرَجَ عُمَيْرٌ فِي طلبه الثانية،


[ (١) ] فى الأصل: «ولا قتال» .
[ (٢) ] الشعيبة: مرفأ السفن من ساحل بحر الحجاز، وهو كان مرفأ مكة ومرسى سفنها قبل جدة. (معجم البلدان، ج ٥، ص ٢٧٦) .
[ (٣) ] الاعتجار بالعمامة: هو أن يلفها على رأسه ويرد طرفها على وجهه ولا يعمل منها شيئا تحت ذقنه.
(النهاية، ج ٣، ص ٦٩) .
[ (٤) ] الحبرة: ضرب من ثياب اليمن. (شرح أبى ذر، ص ٣٦٩) .