للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لعزائم المهتدين، ولم أكن- والله- أهلا لذلك، ولم أر نفسى فيما هنالك، لصعوبة هذا المسلك، ومشقة السير فى طريق لم يكن لمثلى يسلك، وإنما هو نكتة سر قراءتى كتاب الشفا «١» بحضرة التخصيص والاصطفا، فى مكتب التأديب والتعليم فى مشهد مشاهد المؤانسة والتكريم، مستجليا فى مجالى تجليات الأنوار الأحمدية، محاسن صفات خلقته، وعظيم أخلاقه الزكية، ساريا بسر سيرته فى منهاج ملته إلى سماء هديه الأسنى، راتعا فى رياض روضة سنته النزيهة الحسنا، مستمدا من فتح البارى «٢» ، فيض فضله السارى، فمنحنى صاحب هذه المنح من مصون حقائقه، وأبرز لى مما أكنّه من مكنون رقائقه، فانفتحت بالفتح المحمدى عين بصيرة الاستبصار وتنزه الناظر فى رياض ارتياض رقائق الأسرار، فاستجليت من أبكار مخدرات السنة النبوية من كل صورة معناها، واقتبست من تلألؤ مصباح مشكاة المعارف من كل بارقة أضواها، وانتشقت من كل عبقة صوفية شذاها، واجتنيت من أفنان لطائف تأويل آى الكتاب العزيز من كل ثمرة مشتهاها، ولا زلت فى جنات لطائف هذه المنح أغدو وأروح، فى غبوق وصبوح، حتى انهلت غمائم المعانى على أرض رياض المبانى، فأينعت أزهارها، وتكللت بنفائس جواهر العلوم أوراقها، وطابت لمجتنى رقائق الحقائق ثمارها، وتدفقت حياض بدائع ألفاظها، بزلال جوامع كلماتها، وخطب خطيب قلوب أبناء الهوى، على منبر الغرام الأقدس، يدعو لكمال محاسن الحبيب الأرأس، فترنحت بسلاف راح الارتياح نفائس الأرواح، وتمايلت بمطربات ألحان الحنين إلى جمال المحبوب كرائم الأشباح، وزمزم مزمزم الصفا، بحضرة خلاصة أولى الوفا، منشدا مرددا:

حضر الحبيب وغاب عنه رقيبه ... حسبى نعيم زال عنه حسيبه

داوى فؤادى الوصل من أدوائه «٣» ... طوبى لقلبى والحبيب طبيبه


(١) هو: كتاب «الشفا فى حقوق المصطفى» للقاضى عياض.
(٢) يشير إلى كتاب «فتح البارى» للحافظ ابن حجر، وهو كتاب مشهور.
(٣) أدواء: جمع داء، بخلاف أدوية جمع دواء.