للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ذكر الحافظ أبو سعد النيسايورى عن أبى بكر بن أبى مريم عن سعيد بن عمرو الأنصارى عن أبيه عن كعب الأحبار: أن نور رسول الله صلى الله عليه وسلم- لما صار إلى عبد المطلب وأدرك، نام يوما فى الحجر فانتبه مكحولا مدهونا، قد كسى حلة البهاء والجمال، فبقى متحيرا لا يدرى من فعل به ذلك، فأخذه أبوه بيده ثم انطلق به إلى كهنة قريش فأخبرهم بذلك، فقالوا له: اعلم أن إله السماوات قد أذن لهذا الغلام أن يتزوج، فزوجه قيلة فولدت له الحارث ثم ماتت، فزوجه بعدها هند بنت عمرو، وكان عبد المطلب يفوح منه رائحة المسك الإذفر، ونور رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يضىء فى غرته، وكانت قريش إذا أصابها قحط تأخذ بيد عبد المطلب فتخرج به إلى جبل ثبير «١» فيتقربون به إلى الله تعالى، ويسألونه أن يسقيهم الغيث، فكان يغيثهم ويسقيهم ببركة نور محمد- صلى الله عليه وسلم- غيثا عظيما.

ولما قدم أبرهة ملك اليمن- من قبل أصحمة النجاشى- لهدم بيت الله الحرام، وبلغ عبد المطلب ذلك، قال: يا معشر قريش، لا يصل إلى هدم البيت، لأن لهذا البيت ربّا يحميه ويحفظه.

ثم جاء أبرهة فاستاق إبل قريش حتى طلع جبل ثبير، فاستدارت دائرة غرة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على جبينه كالهلال واشتد شعاعها على البيت الحرام مثل السراج، فلما نظر عبد المطلب إلى ذلك قال: يا معشر قريش: ارجعوا فقد كفيتم هذا الأمر، فو الله ما استدار هذا النور منى إلا أن يكون الظفر لنا، فرجعوا متفرقين.

ثم إن أبرهة أرسل رجلا من قومه ليهزم الجيش، فلما دخل مكة ونظر إلى وجه عبد المطلب خضع وتلجلج لسانه وخر مغشيّا عليه، فكان يخور كما يخور الثور عند ذبحه، فلما أفاق خر ساجدا لعبد المطلب، وقال: أشهد أنك سيد قريش حقّا.

وروى: أنه لما حضر عبد المطلب عند أبرهة أمر سايس فيله الأبيض


(١) ثبير: اسم جبل بمنى.