للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جهةِ التَّبجيلِ والتَّعظيمِ، سواءٌ تَعَلَّقَ بنعمةٍ أم (١) لا.

وعُرفًا: فِعلٌ يُنْبِئُ عن تعظيمِ المُنْعِمِ بسببِ كَوْنِه مُنْعِمًا على الحامدِ أو غيرِه، سواءٌ كانَ باللِّسانِ، أم بالجِنانِ، أم بالأركانِ، و «الـ» في «الحمدِ» للاستغراقِ، كما عليه الجمهورُ (٢).

وقولُه: (الَّذِي هُوَ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ) اعتِرافٌ بالعَجزِ عنِ الثَّناءِ، ورَدٌّ إلى المُحيطِ عِلْمُه بكلِّ شيءٍ جُملةً وتفصيلًا.

(فَالعَبْدُ لَا يُحْصي ثَنَاءً عَلَى رَبِّهِ) أي: لا يُطِيقُه، وَلَا يَبْلُغُه، وَلَا يَنتهي غايتَه؛ لقولِه تَعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} (٣) أي: تُطِيقُوه، ولأنَّ وَصْفَ الواصفِ بحَسَبِ ما يُمْكِنُه إدراكُه مِن الموصوفِ، واللهُ تَعالى أكبَرُ مِن أنْ تُدرَكَ حقائقُ صفاتِه كما هي، -عز وجل-: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (٤).

وابْتَدَأَ كتابَه بالبَسملةِ، ثمَّ بالحَمدلةِ؛ تَبَرُّكًا وتأسِّيًا بكتابِ اللهِ، وعملًا بالأخبارِ الواردةِ في ذلك (٥)، وأَعْقَبَ الحمدَ بالصَّلاةِ بقولِه:


(١) في (ع): أو.
(٢) قال علاءُ الدِّينِ في «كشف الأسرارِ شرح أصولِ البَزْدَوِيِّ» (١/ ٤): لاستغراقِ الجنسِ عندَ أهلِ السُّنَّةِ على ما عُرِفَ، أي: الحمدُ كلُّه للهِ. وفي (٢/ ١٤): قال أهلُ السُّنَّةِ بأجمعِهم: إنَّ اللَّامَ في قولِه تَعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} لاستغراقِ الجنسِ، فقالوا: معناه جميعُ المحامدِ للهِ تَعالى. اهـ
قُلْتُ: وفيه إشارةٌ إلى ما عندَ المعتزلةِ مِن أنَّ الحمْدَ بعضُه للعبدِ وَليس كلُّه للهِ تَعالى، بناءً على أنَّ العبدَ مُوجِدٌ لأفعالِه بالاستقلالِ.
(٣) المُزَّمِّلُ: ٢٠.
(٤) الشُّورى: ١١.
(٥) أمَّا البسملةُ، فالخبرُ فيها ضعيفٌ، رواه الخَطيبُ في «الجامع لأخلاقِ الرَّاوي وآدابِ السَّامعِ» (١٢١٠) من حديث أبي هُرَيْرَةَ. وضعَّفَه ابنُ حَجَرٍ في «فتح الباري» (٨/ ٢٢٠).
وأمَّا الحمدلةُ فرواه أبو داودَ (٤٨٤٠)، والنَّسائيُّ (١٠٢٥٥)، وابنُ ماجه (١٨٩٤)، وحسَّنَه الحافظُ ابنُ حجرٍ في «نتائج الأفكارِ» (٣/ ٢٧٧).

<<  <   >  >>