للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المحكمات ما فيه الحلال والحرام وما سوى ذلك منه متشابهات يصدق بعضها بعضا وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع «١» قال: المحكمات هي الآمرة الزاجرة. وأخرج عن اسحاق بن سويد «٢» أنّ يحيى بن يعمر «٣» وأبا فاختة «٤» تراجعا في هذه الآية فقال أبو فاختة: فواتح السّور، وقال يحيى الفرائض والأمر والنهي والحلال. وقيل المحكمات ما لم ينسخ منه والمتشابهات ما قد نسخ. وقال مقاتل بن حيان المتشابه فيما بلغنا ألم والمص والمر والر.

وقيل المحكم هو الذي يعمل به والمتشابه هو الذي يؤمن به ولا يعمل به. وقيل المحكم ما ظهر لكلّ أحد من أهل الإسلام حتى لم يختلفوا فيه والمتشابه بخلافه.

اعلم أنّهم اختلفوا في أنّ المتشابه مما يمكن الاطلاع على تأويله أو لا يعلم تأويله إلّا الله على قولين، منشأهما الاختلاف في قوله:

وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ «٥» هل هو معطوف على الله، ويقولون حال، أو هو مبتدأ وخبره يقولون، والواو للاستئناف. فعلى الأول طائفة قليلة منهم المجاهد والنووي وابن الحاجب، وعلى الثاني الأكثرون من الصحابة والتابعين وأتباعهم ومن بعدهم خصوصا أهل السّنة وهو الصحيح، ولذا قال الحنفية المتشابه ما لا يرجى بيانه.

اعلم أنّ مذهب السّلف في حكم المتشابه التوقّف عن طلب المراد «٦» مع اعتقاد حقّية ما أراد الله تعالى به بناء على قراءة الوقف على قوله إِلَّا اللَّهُ «٧» الدالة على أنّ تأويله لا يعلمه غير الله تعالى، وإليه ذهب الإمام الأعظم.

وفائدة إنزاله ابتلاء الراسخين في العلم بمنعهم عن التفكير فيه والوصول إلى غاية متمنّاهم من العلم بأسراره، فكما أنّ الجهّال مبتلون بتحصيل ما هو غير المطلوب عندهم من العلم والإمعان في الطلب، فكذلك العلماء مبتلون بالوقف «٨» وترك ما هو محبوب عندهم إذ لا يمكن تكليف العالم بطلب العلم لأنّ العلم غاية متمناه، إذ ابتلاء كلّ واحد إنّما يكون على خلاف هواه وعكس متمناه وابتلاء الراسخ أعظم النوعين بلوى لأنّ التكليف في ترك المحبوب أشدّ وأكثر من التكليف في تحصيل غير المراد «٩»، وهذا البلوى أعمهما جدوى لأنّه أشق وأكبر فثوابه أعظم وأكثر، هكذا في التلويح.


(١) هو الربيع بن زياد الحارثي البصري، مخضرم، من الطبقة الثانية، ذكر صاحب الكمال أنه ابو فراس الذي روى عن عمر بن الخطاب، وردّ ذلك المزّي. التقريب ٢٠٦
(٢) هو اسحاق بن سويد بن هبيرة العدوي البصري. مات سنة احدى وثلاثين بعد المائة صدوق. من الطبقة الثالثة.
التقريب ١٣
(٣) هو يحي بن يعمر الوشقي العدواني، ابو سليمان. توفي عام ١٢٩ هـ/ ٧٤٦ م. أول من نقّط المصحف. من علماء التابعين.
عارف بالحديث والفقه ولغات العرب. الاعلام ٨/ ١٧٧، وفيات الأعيان ٢/ ٢٦٦، بغية الوعاة ٤١٧، مرآة الجنان ١/ ٢٧١
(٤) هو سعيد بن علاقة الهاشمي، مولاهم أبو فاختة الكوفي. مات في حدود التسعين، وقيل بعد ذلك بكثير. مشهور بكنيته، ثقة. من الطبقة الثالثة. التقريب ٢٢٩
(٥) آل عمران/ ٧
(٦) المقصود (م، ع)
(٧) ذكر الآية كان مع شرح الكلام عن الوقف.
(٨) بالتوقف (م)
(٩) المقصود (م، ع)