للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن الذكر المقطوع واليد المقطوعة تسقى يداً وذكراً لا بالمعنى الذي كان يُسمّى به، إذ كان يُسمّى به من حيث أنها آلة البطش وآلة الوقاع، وبعد القطع يُسمّى به من حيث أن شكله له اسم ولو صنع شكله من خشب أو حجر أعطي اسمه، وكذلك يقال ما حدّ العقل فلا تطمع في أن يحدّ بحد واحد وهو هوس لأنه مشترك يطلق على الغريزة التي يتهيأ بها الإِنسان لدرك العلوم الضرورية، ويطلق على العلوم المستفادة من التجربة، حتى أن من لم تحنكه التجارب بهذا الاعتبار لا يُسمّى عاقلاً، ويطلق على من له وقار وهيبة وسكينة في جلوسه وكلامه وهو عبارة عن الهدوء، فيقال فلان عاقل أي فيه هدوء، وقد يطلق على من جمع إلى العلم العمل حتى أن الفرس وإن كان في غاية من الكياسة يمنع عن تسميته عاقلاً ويقال للحجاج إنه عاقل بل داهية، ولا يقال للكافر وإن كان فاضلاً في جملة من علوم الطب والهندسة إنه عاقل، بل إما داهية وأما فاضل داما كبير. فهكذا تختلف الاصطلاحات فيجب بالضرورة أن تتعدّد الحدود في حد العقل فباعتبار أحد مسمياته إنه بعض العلوم الضرورية بجواز الحائزات واستحالة المستحيلات. وبالاعتبار الثاني إنه غريزة يتهيأ بها النظر في المعقولات، وهكذا بقية الاعتبارات.

فإن قلت فأرى الناس يختلفون في الحدود وهذا الكلام يكاد يحيل الخلاف. في الحد افترى أن المتنازعين فيه ليسوا عقلاء.

فاعلم أن الخلاف في الحد يتصور في موضعين: أحدهما أن يكون اللفظ بكتاب الله أو سنّة رسوله أو قول إمام من الأئمة، ويكون ذلك اللفظ مشتركاً فيقع النزاع في مراده به، فيكون قد وجد التوارد على مراد القائل والتباين بعد التوارد، فالخلاف تباين بعد التوارد. ولذا فلا نزاع بين من يقول السماء قديم وبين من يقول المغصوب مضمون، إذ لا توارد، ولو كان لفظ الحد من كتاب الله تعالى أو كتاب إمام يجوّز التنازع في مراده ويكون إيضاح ذلك من صنعة التفسير لا من صناعة النظر بالعقل. الثاني أن يقع الخلاف في مسألة أخرى على وجه محقق ويكون المطلوب حدّه أمراً بائناً ولا يحدّ حده على المذهبين فيختلف. كما يقول المعتزلي حدّ العلم اعتقاد الشيء، ونحن نخالفه في ذكر الشيء، فان المعدوم عندنا ليس بشيء، فالخلاف في مسالة أخرى تتعدّى إلى الحد، ولذلك يقول القائل حدّ العقل بعض العلوم الضرورية على وجه كذا، ويخالف من يقول في حدّه انه غريزة يتهيأ بها إدراك المعقولات من حيث أنه ينكر وجود غيره، بل يقول ليس في الإِنسان إلا جسم وفيه حياة وعلوم ضرورية إما غريزية أو مكتسبة وعلوم نظرية، فلا يتميز بها القلب عن العقب والإنسان عن الذباب. فإن الله قادر على خلق

<<  <   >  >>