للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك البخار وتلطفه وتسرحه قوة في القلب في تجاويف العروق الضوارب إلى سائر البدن، وأن القوة الحساسة تنتهي إلى العين والأذن وسائر الحواس الخمسة في هذا البخار اللطيف السائر بلطفه في سيال الأعصاب، فكان هذا البخار حمّالاً لهذه القوى يجري في سلك العروق ويمد الأجسام اللطيفة التي فيها قوى الإِحساس. وقالوا لو وقعت سدة في بعض المجاري في هذا البخار إما في عصب أو عرق لبطلت الحياة والإحساس من الذي حالت السدة بينه وبين القلب حتى انقطع عنه إمداده فعبّروا عن هذا الهواء اللطيف بالروح، وزعموا أنه سبب بقاء الحياة في أحاد الأعضاء. فثبت عندهم جسم لطيف عبّروا عنه بالروح وحكموا بأنه سبب العَرَض الذي يسقى حياة. وأما التفاتهم إلى الشرع، من حيث قال رسول الله (أرواح الشهداء في حواصل طيور معلقة تحت العرش. ولقوله تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون) . فزعموا أنه لم يكن إلا حياة هي عرض وقد انعدم بالموت وجسد الميت بين أيدينا، فما الذي في حواصل طيور خضر وكيف وصف الشهداء بأنهم أحياء والبدن ميت نشاهده والحياة عرض وقد انعدم. وكذلك التفتوا إلى قوله (في دعائه عند النوم " إن أمسكتها فاغفر لها وإن أرسلتها فاعصمها بما تعصم به عبادك الصالحين " فقالوا: ما الذي يمسك ويرسل والبدن حاضر والحياة عَرَض لا يمكن إرسالها. والتفتوا أيضاً إلى قوله تعَالى (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) فلمَ لم يذكر لهم أنه عرض كالقدرة والحياة إن لم يكن هاهنا إلا جسم وعرض. وثار عند هذا فريق ثالث وتغلغلوا زيادة تغلغل، وقالوا هذا صحيح ولكن هذه الروح في بدنه، وهناك موجود آخر يعبّر عنه بالنفس من صفته أنه قائم بنفسه لا متحيز نسبته إلى البدن نسبة الله تعالى إلى العالم، لا هو داخل في العالم ولا هو خارج عنه. والتفتوا إلى أن الروح جسم منقسم وأجزاؤه متشابهة. فلو كان هو المدبر المدرك من الإِنسان لكان لكل شخص

أرواح كثيرة، واحتمل أن يكون في بعض أجزائها علم بالشيء وفي بعضها جهل بالشيء، فيكون عالماً بالشيء جاهلاً به. فلابد من شيء هو نافذ لا ينقسم، وكل جسم منقسم. وزعموا أن الجسم الذي لا يتجزأ محال ثم التفتوا مع ذلك إلى أن هذه الروح كيف ترسل أو تمسك في حالة النوم، ولو خرجت الروح من البدن في النوم لكان ميتاً لا حياً. ولمّا كانت التخيلات والأحلام ومعرفة الغيب بطريق الرؤية صحيحة زعموا أنه ليس يخرج من النائم جسم ينفصل عنه، فإنه لو عاد إليه لدخل في منفذ. فإن الأجسام لا تتداخل ولو شدّ فم النائم وأنفه أولاً ثم نبّه لتنبه ولاحظوا فيه أموراً آخر لا يمكن احصاؤها وقالوا لو لم يكن إلا الجسم والروح لذكره الشارع. فإن الجسم اللطيف مفهوم وإنما الذي لا يفهم موجود لا خارج البدن ولا داخله والأولون أحالوا هذا، فالنافية إثبات موجود حادث لا داخل البدن ولا خارجه وهو محال. فهذا ترتيب نظرهم. فإن قلت فما الصحيح من ذلك فاعلم أن المسؤول فيه ليس يخلو إما أن يكون غير عالم، فلا يمكن البيان، وإما أن يكون عالماً فلا يحل له الخوض فيه. فإن الروح سر الله تعالى كما أن القِدم سر الله ولم يرخّص رسول الله (بالخوض في شرحه. وكان من أوصافه في التوراية أنه لا يجيب عن كذا وكذا، أي لا يشرح عن أسرارها، ومن جملته الروح. ولا يظن أن الله تعالى لم يطلعه عليها، فإنه عرف أموراً أعظم منها. والجاهل بالروح جاهل بنفسه فكيف يظن أنه عرف الله وملائكته وأحاط بعلم الأولين والآخرين، وما عرف نفسه، ولكنه كان عبداً فأمر بأمر فاتبع الأمر، فعلى كل مؤمن به ومصدّق له أن يتبعه ويسكت عما سكت عنه عرفه أو لم يعرفه. ولا يبعد أن يكون في أمته من الأولياء والعلماء من كشف له سر هذا الأمر وليس في الشرع برهان على استحالة ذلك، فإن قلت فما الصحيح من العبارات في حد الحياة التي هي عرض. قلنا: إما عند من لا يثبت إلا العرض فاقرب لفظ في تفهيمها أنها الصفة التي بها يتهيأ المحل لقبول الحس والحركة. وأما على مذهب من يثبت النفس والروح فقد يثبتون الحياة أيضاً عرضاً فيوافقون في الحد، وقد يقولون ليس للحياة معنى سوى كون البدن ذا روح ونفس، فإنه يستعد لقبول القدرة والعلم من حيث أنه ذو روح ونفس فقط لا من حيث صفة أخرى، وكونه كذلك لا يزيد على ثبوت النسبة بينه وبين الروح والنفس. كما أن كون الإِنسان متنعلاً لا يزيد على كونه ذا فعل ووجود رجل، وانطباق النعل على الرجل. وكما أن كون العالم عالماً عند من ينكر المعلول والعلة وهو الحق ليس إلا وجود علم في ذات فهذا قدر ما يمكن أن يذكر من أمر الحياة علامة على الحد كمن يبتغي جملاً مسوقاً على علامة باقية من أثر خفه. اح كثيرة، واحتمل أن يكون في بعض أجزائها علم بالشيء وفي بعضها جهل بالشيء، فيكون عالماً بالشيء جاهلاً به. فلابد من شيء هو نافذ لا ينقسم، وكل جسم منقسم. وزعموا أن الجسم الذي لا يتجزأ محال ثم التفتوا مع ذلك إلى أن هذه الروح كيف ترسل أو تمسك في حالة النوم، ولو خرجت الروح من البدن في النوم لكان ميتاً لا حياً. ولمّا كانت التخيلات والأحلام ومعرفة الغيب بطريق الرؤية صحيحة زعموا أنه ليس يخرج من النائم جسم ينفصل عنه، فإنه لو عاد إليه لدخل في منفذ. فإن الأجسام لا تتداخل ولو شدّ فم النائم وأنفه أولاً ثم نبّه لتنبه ولاحظوا فيه أموراً آخر لا يمكن احصاؤها وقالوا لو لم يكن إلا الجسم والروح لذكره الشارع. فإن

<<  <   >  >>