للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

...........................................................


يأتي في حديث أبي هريرة، ولأن الفهم من كلام مثل الصلصلة أثقل من كلام الرجل بالتخاطب المعهود، ودل اسم التفضيل على أن الوحي كله شديد.
قال الحافظ: وفائدة هذه الشدة ما يترتب على المشقة من زيادة الزلفى ورفع الدرجات، وقال شيخنا شيخ الإسلام، يعني البلقيني: سبب ذلك أن الكلام العظيم له مقدمات تؤذن بتعظيمه للاهتمام به؛ كما في حديث ابن عباس: وكان يعالج من التنزيل شدة. وقال بعضهم: إنما كان شديدًا عليه ليستجمع قلبه فيكون أوعى لما سمع، وقيل: نزوله هكذا إذا نزلت آية وعيد، وفيه نظر.
والظاهر: أنه لا يختص بالقرآن؛ كما في قصة المتضمخ بالطيب بالحج، ففيه: أنه رآه صلى الله عليه وسلم حالة نزول الوحي عليه وأنه ليغط، فإن قيل صوت الجرس مذموم لصحة النهي عنه والتنفير من مرافقة ما هو معلق فيه، والإعلام بأن الملائكة لا تصحبهم؛ كما في مسلم وأبي داود وغيرهما. والمحمود -وهو الوحي- هنا لا يشبه بالمذموم، إذ حقيقة التشبيه إلحاق ناقص بكامل، فالجواب: أنه لا يلزم من التشبيه تساوي المشبه بالمشبه به في الصفات كلها، بل ولا في أخص وصف له، بل يكفي اشتراكهما في صفة ما، والمقصود هنا بيان الجنس فذكر ما ألف السامعون سماعه تقريبًا لإفهامهم.
والحاصل؛ أن للصوت جهتين: جهة قوة وبها وقع التشبيه، وجهة طنين وبها وقع التنفير عنه وعلل بكونه مزمار الشيطان، انتهى ببعض اختصار. وقال التوربشتي: لما سئل عليه السلام عن كيفية الوحي، وكان من المسائل العويصة التي لا يماط نقاب التغور عن وجهها لكل أحد، ضرب لها في الشاهد مثلا بالصوت المتدارك الذي يسمع ولا يفهم منه شيء، تنبيها على أن إتيانها يرد على القلب في هيئة الجلال وأبهة الكبرياء، فتأخذ هيبة الخطاب حين ورودها بمجامع القلب، وتلاقي من ثقل القول ما لا علم له به مع وجود ذلك، فإذا سري عنه وجد القول المقول بينا ملقى في الروع واقعًا موقع المسموع، وهذا الضرب من الوحي شبيه بما يوحى إلى الملائكة على ما رواه أبو هريرة مرفوعًا "إذا قضى الله في السماء أمرًا ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا"؛ لقوله: كأنها سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم، قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق وهو العلي الكبير، انتهى.
هذا وقد روى أحمد والحاكم وصححه، والترمذي والنسائي عن عمر، قال: "كان صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي سمع عنده دوي كدوي النحل" الحديث، فأفهم قوله عنده أن ذلك بالنسبة للصحابة، ولذا قال الحافظ: إنه لا يعارض صلصلة الجرس؛ لأنه سماع الدوي بالنسبة للحاضرين،

<<  <  ج: ص:  >  >>