للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الثاني

قصة أخرى وقعت في زمن الخلفاء الراشدين وهي أن بقايا من بني حنيفة، لما رجعوا إلى الإسلام وتبرءوا من مسيلمة، وأقروا بكذبه: كبر ذنبهم عند أنفسهم، وتحملوا بأهليهم إلى الثغر لأجل الجهاد في سبيل الله لعل ذلك يمحو عنهم آثار تلك الردة لأن الله تعالى يقول: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: ٧٠] (١) ويقول: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: ٨٢] (٢) فنزلوا الكوفة. وصار لهم بها محلة معروفة، فيها مسجد يسمى مسجد بني حنيفة، فمر بعض المسلمين على مسجدهم بين المغرب والعشاء. فسمعوا منهم كلاما معناه: أن مسيلمة كان على حق وهم جماعة كثيرون، لكن الذي لم يقله لم ينكره على مَن قاله. فرفعوا أمرهم إلى عبد الله بن مسعود، فجمع مَن عنده من الصحابة واستشارهم: هل يقتلهم وإن تابوا، أو يستتيبهم؟ فأشار بعضهم بقتلهم من غير استتابة. وأشار بعضهم باستتابتهم، فاستتاب بعضهم، وقتل بعضهم، ولم يستتبه.

فتأمل - رحمك الله - إذا كانوا قد أظهروا من الأعمال الصالحة الشاقة ما أظهروا، لما تبرءوا من الكفر، وعادوا إلى الإسلام. ولم يظهر منهم إلا كلمة أخفوها في مدح مسيلمة، لكن سمعها بعض المسلمين. ومع هذا


(١) من آية ٧٠ سورة الفرقان.
(٢) آية ٨٢ سورة طه.

<<  <   >  >>