للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الباحث المتّزن الواثق بحجته هو الذي يترك الإعلان عن نفسه وعن كتابه إلى الأدلة نفسها، ويدع للناس الحريّة التامة في موافقته أو مخالفته، أما أبو ريَّة فهو يحاول أن يفرض رأيه على الناس فرضًا، ويبالغ في مدح من يأمُل موافقته، وسبِّ من يخشى مخالفته، فتراه يقول في لوح كتابه: "دراسة محررة ... قامت على قواعد التحقيق العلمي ... ".

ويقول ص ١٤: "وقد ينبعث له من يتطاول إلى معارضته مِمَّن تعفّنت أفكارهم وتحجّرت عقولهم".

ويقول ص ٣٥٤: "فإن يقع عملنا هذا لدى المستنيرين ورجال الفكر المثقفين في مكان الرضا والقبول فهذا ما نرجوه وهو حسبنا، وإن تضق به صدور الحشوية وشيوخ الجهل من زوامل الأسفار الذين يخشون على علمهم المزوّر من سقوط الحق، ويخافون على كساد بضاعتهم العفنة التي يستأكلون بها أموال الناس بالباطل أن يكشفهم نور العلم الصحيح، ويهتك سترهم نور الحجة البالغة؛ فهذا لا يهمنّا؛ إذ ليس لمثل هؤلاء خَطَرٌ عندنا ولا وزن في حسابنا".

كذا يقول! ولو لم يكن لهم خَطَر عنده لما حاول أن يتّقيهم بهذا السلاح. [ص ٤] وماذا عليهم إذا لم يكن لهم خَطَر عند أبي ريَّة؟ !

* * * *

هل نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كتابة حديثه

جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - حديثان:

أحدهما: ما رواه مسلم (١) وغيرُه من طريق همّام عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تكتبوا عنّي،


(١) (٣٠٠٤).