للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ كَلَامِهِمْ، وَرَجَّحَ الْغَزِّيِّ إلْحَاقَهُمَا بِالذِّمِّيِّ وَهُوَ الْأَوْجَهُ إنْ حَلَّ بِدَارِنَا مَا دَامَ فِيهَا، فَإِذَا رَجَعَ صُرِفَ لِمَنْ بَعْدَهُ، وَخَصَّ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ الْخِلَافَ بِقَوْلِهِ وَقَفْت عَلَى زَيْدٍ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ اللُّبَابِ، أَمَّا إذَا وَقَفَ عَلَى الْحَرْبِيَّيْنِ أَوْ الْمُرْتَدَّيْنِ فَلَا يَصِحُّ قَطْعًا، وَرَجَّحَ السُّبْكِيُّ فِيمَنْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ بِالْمُحَارَبَةِ أَنَّهُ كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ

(وَنَفْسُهُ فِي الْأَصَحِّ) لِتَعَذُّرِ تَمْلِيكِ الْإِنْسَانِ مِلْكَهُ أَوْ مَنَافِعَ مِلْكِهِ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ حَاصِلٌ، وَيَمْتَنِعُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَاخْتِلَافُ الْجِهَةِ إذْ اسْتِحْقَاقُهُ وَقْفًا غَيْرُهُ مِلْكًا الَّذِي نُظِرَ لَهُ مُقَابِلٌ الْأَصَحُّ، وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ، وَمِنْهُ أَنْ يَشْتَرِطَ نَحْوَ قَضَاءِ دَيْنِهِ مِمَّا وَقَفَهُ، أَوْ انْتِقَاعِهِ بِهِ، أَوْ شُرْبِهِ مِنْهُ، أَوْ مُطَالَعَتِهِ فِي الْكِتَابِ، أَوْ طَبْخِهِ فِي الْقِدْرِ، أَوْ اسْتِعْمَالِهِ مِنْ بِئْرٍ أَوْ كُوزٍ وُقِفَ ذَلِكَ عَلَى نَحْوِ الْفُقَرَاءِ، فَيَبْطُلُ الْوَقْفُ بِذَلِكَ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ لِبَعْضِ الشُّرَّاحِ هُنَا، وَكَأَنَّهُ تَوَهَّمَ جَوَازَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ عُثْمَانَ فِي وَقْفِهِ لِبِئْرِ رُومَةَ دَلْوِي فِيهَا كَدِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، فَقَدْ أَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ بَلْ الْإِخْبَارِ بِأَنَّ لِلْوَاقِفِ الِانْتِفَاعَ بِوَقْفِهِ الْعَامِّ كَالصَّلَاةِ بِمَسْجِدٍ وَقَفَهُ وَالشُّرْبِ مِنْ بِئْرٍ وَقَفَهَا.

نَعَمْ لَوْ شَرَطَ أَنْ يُضَحَّى عَنْهُ صَحَّ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ بِصِحَّةِ شَرْطِ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ مِنْهُ: أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ سِوَى الثَّوَابِ وَهُوَ لَا يَضُرُّ بَلْ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْوَقْفِ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ مَثَلًا ثُمَّ صَارَ فَقِيرًا جَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهُ: وَكَذَا لَوْ كَانَ فَقِيرًا حَالَ الْوَقْفِ كَمَا فِي الْكَافِي وَاعْتَمَدَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ، وَيَصِحُّ

ــ

[حاشية الشبراملسي]

فَلَا يَصِحُّ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ: إنْ حَلَّ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَقَوْلُهُ فَإِذَا رَجَعَ أَيْ عَادَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ (قَوْلُهُ: صُرِفَ لِمَنْ بَعْدَهُ) أَيْ وَهُوَ الْفُقَرَاءُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الذِّمِّيِّ إذَا حَارَبَ أَنَّهُ يَصِيرُ كَمُنْقَطِعِ الْوَسَطِ حَيْثُ ذَكَرَ بَعْدَهُ جِهَةً يُصْرَفُ إلَيْهَا، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ مَوْضُوعَ الذِّمَّةِ عَلَى عَدَمِ النَّقْصِ مَا بَقِيَ الذِّمِّيُّ، بِخِلَافِ الْعَهْدِ وَالْأَمَانِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَوْضُوعُهُ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَانْتِقَالُهُ لِدَارِ الْحَرْبِ كَالْمُحَقَّقِ، فَكَأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ الِاسْتِحْقَاقَ إلَّا بِالْمُدَّةِ الْقَلِيلَةِ فَلَمْ يُجْزِ فِيهِ كَوْنُهُ كَمُنْقَطِعِ الْوَسَطِ بَلْ جَزَمَ فِيهِ بِانْتِقَالِهِ لِمَنْ بَعْدَهُ، وَعَلَى هَذَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا عَادَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْوَاقِفِ لَمْ يَتَنَاوَلْ إلَّا الْمُدَّةَ الْأُولَى (قَوْلُهُ وَقَفْت عَلَى زَيْدٍ الْحَرْبِيِّ) ظَاهِرُهُ أَنَّ لَفْظَ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ مِنْ جُمْلَةِ صِيغَتِهِ فَلَا تَتَقَيَّدُ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَيْهِمَا الَّذِي قَالَ بِهِ مُقَابِلُ الْأَصَحِّ بِمَا لَوْ قَالَ عَلَى زَيْدٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ فِي الْوَاقِعِ حَرْبِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا، وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَصْفَ بِالْحَرْبِيِّ أَوْ الْمُرْتَدِّ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْوَقْفِ عَلَيْهِ الْحِرَابَةِ أَوْ الرِّدَّةُ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالْمُشْتَقِّ يُؤْذِنُ بِعَلِيَّةِ مَا مِنْهُ الِاشْتِقَاقُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ وَقَفْت دَارِي عَلَى مَنْ يَرْتَدُّ أَوْ يُحَارِبُ وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ السُّبْكِيُّ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَوْلُهُ بِالْمُحَارَبَةِ: أَيْ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَقَوْلُهُ كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ أَيْ فَيَصِحَّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ

(قَوْلُهُ: وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ) لَا يَقْوَى عَلَى دَفْعِ ذَلِكَ التَّعَذُّرِ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ انْتِفَاعُهُ) أَيْ وَلَوْ بِالصَّلَاةِ فِيمَا وَقَفَهُ مَسْجِدًا اهـ حَجّ.

وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْوَقْفَ يَبْطُلُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ وَنَقَلَهُ عَنْ تَصْرِيحِ شَرْحِ الْبَهْجَةِ رَادًّا بِهِ عَلَى مَنْ اقْتَضَى كَلَامُهُ صِحَّةَ الْوَقْفِ وَبُطْلَانَ الشَّرْطِ (قَوْلُهُ: فَيَبْطُلُ الْوَقْفُ) وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْبُطْلَانِ مَا وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ مِنْ أَنَّ شَخْصًا وَقَفَ نَخِيلًا عَلَى مَسْجِدٍ بِشَرْطِ أَنْ تَكُون ثَمَرَتُهَا لَهُ وَالْجَرِيدُ وَاللِّيفُ وَالْخَشَبُ وَنَحْوُهَا لِلْمَسْجِدِ، وَبَقِيَ مَا لَوْ وَقَفَ جَرِيدَ النَّخْلِ أَوْ لِيفَهُ مَثَلًا هَلْ يَشْمَلُ الْحَادِثَ وَالْمَوْجُودَ أَوْ الْمَوْجُودَ فَقَطْ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ.

وَمَحِلُّ التَّرَدُّدِ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْمَوْجُودِ بِأَنْ يَقُولَ هَذَا الْجَرِيدُ، فَإِنْ نَصَّ عَلَيْهِ لَمْ يَدْخُلْ الْحَادِثُ (قَوْلُهُ: عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ) هَذَا كَلَامٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّصْرِيحَ بِنَفْسِهِ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِ فِي وَقْفِ نَحْوِ الْبِئْرِ وَالْمَسْجِدِ يَضُرُّ فَتَأَمَّلْهُ وَرَاجِعْهُ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.

أَقُولُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ بِشَرْطِهِ ذَلِكَ مَنَعَ غَيْرَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُرِيدُهُ فَأَشْبَهَ الْوَقْفَ عَلَى نَفْسِهِ، عَلَى أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ: أَوْ شُرْبُهُ مِنْهُ أَوْ مُطَالَعَتُهُ فِي الْكِتَابِ، صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ (قَوْلُهُ: جَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهُ) أَيْ كَأَحَدِهِمْ

ــ

[حاشية الرشيدي]

قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ شَرَطَ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُ صَحَّ) اُنْظُرْ هَلْ لِهَذِهِ الْأُضْحِيَّةَ حُكْمُ سَائِرِ الضَّحَايَا وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ الْوَاقِفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>