للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دل الحديث على أن هل الملة الواحدة يرث بعضهم بعضًا بالمفهوم كذلك، أهل الملتين شتى إذًا إذا كانوا أهل ملة واحدة حينئذٍ يرث بعضهم بعضًا، وملة يصدق على ملة الإسلام ويصدق على غيرها، وأما إذا اختلفت أديانهم كاليهودي مع النصارى مثلاً، فقد اختلف العلماء في توريثهم من بعض. إذًا إذا اتحدا دينهم الوارث والمورث ولو كانوا على كفرٍ يرث بعضهم بعضًا بلا خلاف، وإذا اختلفا كاليهودية مع النصرانية حينئذٍ وقع نزاع بن العلماء، وهذا الخلاف مبني على أصل مختلف فيه كذلك، وهو اختلف في الكفر، هل الكفر شيء واحد ملة واحدة أو ملل؟

هل هو ملة واحدة أو ملل؟ يعني أديان أم دين واحد؟

وهذا فيه خلاف بين أهل العلم، مذهب جمهور العلماء وهو رواية في المذهب عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى والأصح عند الشافعية ومذهب الحنفية أن الكفر بجميع نحله ملةُ واحدة، وعلى هذا القول هل يرث اليهودي من النصراني أو لا؟ يرث.

لأنها وإن اختلفا في النوع فالجنس واحد، الجنس واحد وهو الكفر، ولكن النوع يعني السبب الكفر، هذا مختلف بينهم حينئذٍ لما اتحدت الملة وهو الجنس جنس الكفر حينئذٍ ورث اليهودي من النصراني والعكس بالعكس، وعلى هذا القول يتوارث الكفار فيما بينهم دون نظر إلى اختلافهم في الملة لعموم النصوص، فلا يترك العموم إلا فيما استثناه الشرع لأنه قال «لا يرث المسلم الكافر» أل هنا للعموم فيدخل فيه ماذا؟

كل من كفر وإن اختلف سببه، مفهومه الكافر يرث من الكافر هذا مفهوم المخالفة، حينئذٍ يبقى هذا العموم على أصله وأن كل كافر يرث من كافر دون تفصيل بين اختلاف أديانهم، وعلى هذا لعموم النصوص فلا يترك العموم إلا فيما استثناء الشرع، ولقوله جل وعلا: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: ٧٣]. هذا عام في جميعه، وهذا قول وهو أن الكفر ملة واحدة فيتوارث الكفار فيما بينهم.

القول الثاني: أن الكفر مللٌ. وهذا مذهب الحنابلة - المذهب عندنا - فالنصارى ملة واليهود ملة وما عداهما ملة، إذًا لا يرث من كانت ملته اليهودية ممن كانت ملته النصرانية، لماذا؟ لاختلاف الدين للنص الذي سبق أنه ماذا؟ «لا يتوارث أهل ملتين»، واليهودية ملة والنصرانية ملة، إذًا لا توارث بينهما لحديث «لا يتوارث أهل ملتين شتى». والمخالف أصحاب القول الأول ماذا جعلوا أهل الملتين «لا يتوارث أهل ملتين شتى». جعلوا الإسلام ملة ومقابله كله ملة واحدة، وهذا هو الظاهر، والمخالف حمله على أن المراد بإحدى الملتين الإسلام وبالأخرى الكفر ليكون مساويًا لحديث: «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم». لأن مفهومه مفهوم المخالفة وهو عام أن الكافر يرث من الكفر دون تفصيل، أثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - بمفهوم هذا النص أن الكافر يرث من الكافر، واليهودي كافر والنصراني كافر والمجوسي كافر إذًا كل منهما يرث من الآخر، لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [الحج: ١٧]. جعلهم مللاً لا ملةً واحدة، لكن قد يقال بأنه قد ذكر الأسباب والكلام في الجنس، إذًا هل يرث الكفار بعضهم من بعض؟

<<  <  ج: ص:  >  >>