للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان رجل من بني (عبد الله بن غطفان) أتى (بني غليب) وأكرموه لما نزل بهم وأحسنوا جواره. وكان رجلا مولعا بالقمار، فنهوه عنه فأبى على المقامرة، فقمر مرة فردوا عليه، ثم قمر أخرى فردوا عليه، ثم قمر الثالثة فلم يردوا عليه. فترحل عنهم. وشكا ما صنع به إلى (زهير) (والعرب حينئذ يتقون الشعراء اتقاء شديدا) . فقال (زهير) : "ما خرجت في ليلة ظلماء إلى خفت أن يصيبني الله بعقوبة لهجائي قوما ظلمتهم" والذي هجاهم به (زهير) قوله:

عفا من آل فاطمة الجواء ... فيمن فالقوادم فالحساء

لقد طلبتها، ولكل شيء ...

وإن طالت لحاجته

انتهاء

ومنها يذمهم:

وما أدري (وسوف إخال أدري) ... أقوم آل حصن أم نساء؟

فمن في كفه منهم خضاب ... كمن في كفه منهم قناء

وفيها يقول:

أرونا خطة لا ضيم فيها، ... يسوى بيننا فيها السواء

فإن ترك السواء فليس بيني ... وبينكم

بني حصن

بقاء

فإن الحق مقطعه ثلاث: ... يمين، أو نفار، أو جلاء

فذلكم مقاطع كل حق، ... ثلاث كلهن له شفاء

قال بعض الرواة: لو أن (زهيراً) نظر إلى رسالة (عمر بن الخطاب) إلى (أبي موسى الأشعري) ما زال على ما قال: "فإن الحق مقطعه ثلاث إلخ".

وقد لقب (زهير) بقاضي الشعراء بهذا البيت.

ومما ينسب لزهير - وقد ذكره ابن هشام في أوائل شرح قصيدة (بانت سعاد) - قوله:

إن كنت لا ترهب ذمي لما ... تعرف من صفحي عن الجاهل

فاخش سكوتي إذ أنا منصت، ... فيك لمسموع خنا القائل

فسامع الذم شريك له، ... ومطعم المأكول كالآكل

مقالة السوء إلى أهلها ... أسرع من منحدر سائل

ومن دعا الناس إلى ذمه ... ذموه بالحق وبالباطل

ونسب صاحب كتاب زهر (الآداب) هذه الأبيات إلى (محمد بن حازم الباهلي) وزاد عليها هذه الثلاثة:

فلا تهج ... إن كنت ذا إربة

حرب أخي التجربة العاقل

فإن ذا العقل إذا هجته ... هجت به ذا خبل خابل

تبصر من عاجل شداته ... عليك غب الضرر الآجل

ويستحسن قوله:

هو الجواد الذي يعطيك نائله ... عفوا ويظلم أحيانا، فينظلم

ومما حسن من تشابيهه أنه شبه امرأة بثلاثة أصناف في بيت واحد، وهو قوله:

تنازعت المها شبها، ودر ... البحور، وشاكهت فيها الظباء

ثم فسر فقال:

فأما ما فويق العقد منها ... فمن أدماء، مرتعها الخلاء

وأما المقلتان فمن مهاة، ... وللدر الملاحة والصفاء

وقال (عبد الملك) لقوم من الشعراء: "أي بيت أمدح؟ ". فاتفقوا على قول (زهير)

تراه ... إذا ما جئته

متهللا،

كأنك تعطيه الذي أنت سائله

وهذا البيت من أبيات يمدح فيها (هرم بن سنان أبي حارثة المري) وفيها يقول:

وأبيض فياض، يداه غمامة، ... على معتفيه ما تغب فواضله

تراه ... إذا ما جئته

متهللا،

كأنك تعطيه الذي أنت سائله

أخو ثقة، لا تتلف الخمر ماله ... ولكنه قد يهلك المال نائله

ترى الجند والأعراب يغشون بابه، ... كما وردت ما (الكلاب) هوامله

فلو لم يكن في كفه غير نفسه ... لجاد بها فليتق الله سائله

ومن شعره الجيد قوله في مدح (سنان بن أبي حارثة وقومه) :

إذا فزعوا طاروا إلى مستغيثهم ... طوال الرماح، لا ضعاف ولا عزل

بخيل عليها جنة عبقرية ... جديرون يوما أن ينالوا فيستعلوا

عليها أسودت ضاريات، لبوسهم ... سوابغ بيض، لا تخرقها النبل

ومنها:

هم جددوا أحكام كل مضلة ... من العقم، لا يلفي لأمثالها فصل

بعزمة مأمور مطيع، وآمر ... مطاع، فلا يلفي لحزمهم مثل

هم خير حي من معد، علمتهم ... لهم نائل في قومهم ولهم فضل

ومنها:

تداركتما الأحلاف، قد ثل عرشها، ... وذبيان، قد زلت بأقدامها النعل

فأصبحتما منها على خير موطن، ... سبيلكما فيه

وإن أحزنوا

سهل

إذا السنة الشهباء بالناس أجحفت، ... ونال كرام المال في الحجرة الأكل

<<  <   >  >>