للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حيث قَالَ النصرانيّ: إنَّنا لا نجد فِي القُرآنِ كيف نصنعُ هَذَا الطعام؟ فدعا الشيخُ محمَّد عبده بصاحبِ المطعمِ وقال له: كيف صنعتَ هَذَا الطعامَ؟ فقال صاحبُ المطعم: فعلت كَذَا وكذا. فقال الشيخ محمد عبده: هكذا علَّمَنا القُرآن. فقال النصرانيُّ: كيف عَلَّمَكُم القُرآن؟ قَالَ: لِأَنَّةُ قَالَ: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣].

فالتِّبيان فِي القُرآنِ تارَةً يُبيِّن الشَّيْءَ بِعَيْنِهِ، وتارَةً يُبين وسيلتَه الَّتِي تُظْهِرُه وتُبَيِّنه.

ومن فوائدِ الآيةِ الكريمةِ:

بيانُ عُلُوّ شأنِ القُرآنِ؛ للإشارةِ بقوله: {تِلْكَ}، وأنه آياتٌ، والآيةُ هِيَ العَلامَةُ الخاصَّة أو المُعْجِزَة مثلًا؛ لِأَنَّ عَلامَة الشَّيْء معناها: ما يَخْتَصّ به، ولو كَانَ هَذَا الشَّيْءُ لا يختصُّ باللهِ ما صارَ آيةً له، فالآية هِيَ العَلامَةُ الخاصَّةُ الَّتِي لا تكونُ لغيرِ مَن كانتْ له، فالشَّمْسُ والقمرُ لا يمكِن لأحدٍ أنْ يأتيَ بِمِثْلِهِمَا، والقُرآن لا يمكن لأحدٍ أنْ يأتيَ بمثلِه.

فالعَلامَة الخاصَّة لمن كانتْ له، بحيثُ لا يستطيعُ أحدٌ أن يأتيَ بمثلِه، سواء كانت كونيَّة أو شرعيَّة، وفي هَذِهِ الآيةِ أن جميعَ آياتِ القُرآنِ معجِزات، ولو كانتْ آيةً واحدةً فإنها مُعْجِزةٌ، وقد تكون معجزةً بذاتها وقد تكون معجزةً بسياقِها؛ لِأَنَّ مثلًا قوله تعالى: {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: ٢١]، قد لا يستطيع أحدٌ أن يقولَ: إنها معجزةٌ, وإن كل إِنْسان ممكِن أن يأتيَ بكلمة (ثُمَّ نَظَرَ)، لكنها مُعجزةٌ فِي سياقها وفي مَوْضِعها، فالآيَات حَقيقةً قلنا: إنها حروفٌ، ومن كلماتِ النَّاسِ، وهذه الحروفُ ليستْ معجزةً؛ لأنها من كَلامهم ويستطيعونها، لكن مكانها وسياقها وما تدلُّ عليه هَذَا هُوَ المعجز.

<<  <   >  >>