للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[القول المختار]

وبعد هذا الاستعراض لأقوال الفقهاء وأدلتهم في هذه المسألة تبيّن لي أن القول المختار هو القول الثاني، وذلك لما يأتي:

١ - قوة أدلة القول الثاني وسلامتها من الاعتراضات، وما اعترض عليه منها فقد أجيب عنه كما سبق، ومن أقوى أدلتهم تصريحه عليه الصلاة والسلام بقوله: (طعام بطعام وإناء بإناء)، وفي رواية: (من كسر شيئاً فهو له وعليه مثله)، وهذا التصريح منه عليه الصلاة والسلام بمثابة قاعدة عامة في كيفية ضمان المتلفات.

٢ - عدم وجود أدلة صريحة لأصحاب القول الأول، وأقوى ما استدلوا به حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما فيمن أعتق شركا له في عبد، ونحوه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وقد ذكر العلماء الأجوبة عليهما كما سبق، ومن أهمّها أنه ليس من باب ضمان المتلفات، وإنما هو من باب تملك مال الغير بقيمته.

٣ - «إن المماثلة من كل وجه متعذرة حتى في المثليات كالمكيلات والموزونات، فضلا عن غيرها، فإنه إذا أتلف صاعاً من بر فضمن بصاع من بر لم يعلم أن أحد الصاعين فيه من الحب ما هو مثل الآخر، بل قد يزيد أحدهما على الآخر، ولهذا قال تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (١)، فإن تحديد الكيل والوزن مما قد يعجز عنه البشر، ولهذا يقال: (هذا أمثل من هذا) إذا كان أقرب إلى المماثلة منه إذا لم تحصل المماثلة من كل وجه» (٢).


(١) سورة الأنعام، الآية [١٥٢].
(٢) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (٢٠/ ٥٦٥).

<<  <   >  >>