للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحِينَئِذٍ سَوَاءٌ رُوِيَ بِالرَّفْعِ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ، أَوْ بِالْجَزْمِ عَلَى إِرَادَةِ لَامِ الْأَمْرِ، فَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، بَلْ لَا مَانِعَ أَيْضًا مِنْ كَوْنِهِ خَبَرًا عَلَى ظَاهِرِهِ، وَيُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ، وَالْقَصْدُ أَنَّهُ مَظَنَّةٌ لِذَلِكَ.

وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي أَوَّلِ تَهْذِيبِهِ عِنْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ: وَهَذَا إِخْبَارٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِيَانَةِ الْعِلْمِ وَحِفْظِهِ، وَعَدَالَةِ نَاقِلِيهِ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُوَفِّقُ لَهُ فِي كُلِّ عَصْرٍ خَلَفًا مِنَ الْعُدُولِ يَحْمِلُونَهُ، وَيَنْفُونَ عَنْهُ التَّحْرِيفَ فَلَا يَضِيعُ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِعَدَالَةِ حَامِلِيهِ فِي كُلِّ عَصْرٍ، وَهَكَذَا وَقَعَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَهَذَا مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ، وَلَا يَضُرُّ مَعَ هَذَا كَوْنُ بَعْضِ الْفُسَّاقِ يَعْرِفُ شَيْئًا مِنَ الْعِلْمِ ; فَإِنَّ الْحَدِيثَ إِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ بِأَنَّ الْعُدُولَ يَحْمِلُونَهُ، لَا أَنَّ غَيْرَهُمْ لَا يَعْرِفُ شَيْئًا مِنْهُ - انْتَهَى.

عَلَى أَنَّهُ يُقَالُ: مَا يَعْرِفُهُ الْفُسَّاقُ مِنَ الْعِلْمِ لَيْسَ بِعِلْمٍ حَقِيقَةً ; لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِهِ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ التَّفْتَازَانِيُّ فِي تَقْرِيرِ قَوْلِ التَّلْخِيصِ: وَقَدْ يُنَزَّلُ الْعَالِمُ مَنْزِلَةَ الْجَاهِلِ.

وَصَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ:

وَلَا الْعِلْمُ إِلَّا مَعَ التُّقَى ... وَلَا الْعَقْلُ إِلَّا مَعَ الْأَدَبِ

وَمِنَ الْغَرِيبِ فِي ضَبْطِهِ مَا حَكَاهُ الشَّارِحُ فِي نُكَتِهِ عَنْ فَوَائِدِ رِحْلَةِ ابْنِ الصَّلَاحِ مِمَّا عَزَاهُ لِأَبِي عَمْرٍو مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ التَّمِيمِيِّ: " يُحْمَلُ " بِضَمِّ التَّحْتَانِيَّةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَرَفْعِ مِيمِ الْعِلْمِ، وَبِفَتْحِ الْعَيْنِ وَاللَّامِ مِنْ عَدُولَةٍ، مَعَ إِبْدَالِ الْهَاءِ تَاءً مُنَوَّنَةً.

وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْخَلَفَ هُوَ الْعَدُولَةُ بِمَعْنَى أَنَّهُ عَادِلٌ، كَمَا يُقَالُ: شَكُورٌ بِمَعْنَى شَاكِرٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>