للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَلَفْظُ " أَنَّ ") بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ (اخْتَارَهُ) ، أَوْ حَكَاهُ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ حَمَدٌ (الْخَطَّابِيُّ) نِسْبَةً لِجَدِّهِ خَطَّابٍ، فَكَانَ يَقُولُ فِيمَا حُكِيَ عَنْهُ فِي الرِّوَايَةِ بِالسَّمَاعِ عَنِ الْإِجَازَةِ: أَنَا فُلَانٌ أَنَّ فُلَانًا حَدَّثَهُ أَوْ أَخْبَرَهُ، قَالَ صَاحِبُ الْوِجَازَةِ: وَكَأَنَّهُ جَعَلَ دُخُولَ " أَنَّ " دَلِيلًا عَلَى الْإِجَازَةِ فِي مَفْهُومِ اللُّغَةِ، وَقَدْ تَأَمَّلْتُهُ فَلَمْ أَجِدْ لَهُ وَجْهًا صَحِيحًا؛ لِأَنَّ " أَنَّ " الْمَفْتُوحَةَ أَصْلُهَا التَّأْكِيدُ، وَمَعْنَى أَنَا فُلَانٌ أَنَّ فُلَانًا حَدَّثَهُ، أَيْ: بِأَنَّ فُلَانًا حَدَّثَهُ، فَدُخُولُ الْبَاءِ أَيْضًا لِلتَّأْكِيدِ، وَإِنَّمَا فُتِحَتْ لِأَنَّهَا صَارَتِ اسْمًا، فَإِنْ صَحَّ هَذَا الْمَذْهَبُ عَنْهُ كَانَتِ الْإِجَازَةُ أَقْوَى عِنْدَهُ مِنَ السَّمَاعِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ قَارَنَهُ التَّأْكِيدُ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ - انْتَهَى.

وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، فَقَدْ سَبَقَ حِكَايَةُ تَفْضِيلِ الْإِجَازَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ، بَلْ لَمْ يَنْفَرِدِ الْخَطَّابِيُّ بِهَذَا الصَّنِيعِ؛ فَقَدْ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ اخْتِيَارِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ، قَالَ: وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَحَقُّهُ أَنْ يُنْكِرَ، فَلَا مَعْنَى لَهُ يُتَفَهَّمُ مِنْهُ الْمُرَادُ، وَلَا اعْتِيدَ هَذَا الْوَضْعُ لُغَةً وَلَا عُرْفًا وَلَا اصْطِلَاحًا؛ وَلِذَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إِنَّهُ اصْطِلَاحٌ بَعِيدٌ، بَعِيدٌ عَنْ مَقَاصِدِ أَهْلِ الْأَفْكَارِ الْقَوْمِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الِاصْطِلَاحِ؛ لِبُعْدِهِ عَنِ الْإِشْعَارِ بِالْإِجَازَةِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: (وَهْوَ مَعَ) سَمَاعِ (الْإِسْنَادِ) خَاصَّةً لِشَيْخِهِ مِنْ شَيْخِهِ، وَكَوْنِ الْإِجَازَةِ لَهُ فِيمَا وَرَاءَ الْإِسْنَادِ، أَيْ: مِنْ حَدِيثٍ وَنَحْوِهِ (ذُو اقْتِرَابِ) ؛ فَإِنَّ فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ إِشْعَارًا بِوُجُودِ أَصْلِ الْإِخْبَارِ، وَإِنْ أَجْمَلَ الْخَبَرَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ تَفْصِيلًا، وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الِاقْتِرَاحِ: إِذَا أَخْرَجَ الشَّيْخُ الْكِتَابَ وَقَالَ: أَنَا فُلَانٌ، [وَسَاقَ السَّنَدَ، فَهَلْ يَجُوزُ لِسَامِعٍ ذَلِكَ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ: أَنَا فُلَانٌ] ، وَيَذْكُرَ الْأَحَادِيثَ كُلًّا أَوْ بَعْضًا؟ الَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>