للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الشافعيُّ: «من أراد أن يتبحَّر في المغازي؛ فهو عيال على محمد بن إسحاق» (١).

إذن بعد هذا: كيف يُتعامل مع هذا الصنف من الرواة؟

لا شكَّ أن انفرادهم برواية حديث، أو واقعة يُستفاد منها تشريعٌ، أو حُكمٌ عقديٌّ، أو تحمل طعناً في أحدٍ ممن ثبتت عدالتهم بيقين؛ لا يقبله من لديه مسحةٌ من علم بأصول القبول والرد، هذا لا يُنازَعُ فيه.

أمَّا ما نقلوه من أخبارٍ، تحمل بعض التفاصيل التي لا تتعرَّضُ لشيءٍ مما ذُكر، وإنما يكون فيها زيادةٌ لا تضر، وتفاصيل قد تساعد على تصوُّرٍ أقرب لما كانت عليه الأحداث؛ فهذا لا بأس بإيراده، وعلى هذا يُحمل قول من قَبِل كلامهم من العلماء في أبواب المغازي والسير.

ولذا فإذا ما مرَّ بك عزيزي القارئ أثرٌ، ووجدت الحكم بضعف الإسناد مُصدَّراً عليه، وسبب ذلك وجود أحد هؤلاء؛ فتذكَّرْ تلك القاعدة التي تقدَّمت، وهي: أنَّ حالهم في نقل هذه الأخبار، مما لا يترتب عليه شيء من أحكام العقائد والتشريعات؛ مما يُتساهل فيه.

وهذه قاعدةٌ وضعها أحدُ أئمَّة الحديث في زمانه، عبدُ الرحمن بن مهدي، حينما قال: «إذا رُويِّنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحلال والحرام، والأحكام؛ شدَّدنا في الأسانيد، وانتقدنا الرجال، وإذا رُوِّينا في فضائل الأعمال، والثواب والعقاب، والمباحات والدعوات؛ تساهلنا في الأسانيد» (٢).

فاجعل هذا الأمر منك على ذكر.

وفيما يلي بعض النماذج العمليَّة من تصرفات العلماء مع مرويَّاتهم في هذا الباب:


(١) سير أعلام النبلاء (٧/ ٣٦).
(٢) إسناده صحيح: أخرجه الحاكم (١/ ٦٦٦)، وفي المدخل إلى الإكليل (ص: ٢٩)، والخطيب في الجامع (١٢٦٧).

<<  <   >  >>