للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن كل ما سبق نجد أننا أمام والٍ كبيرٍ، يشق طريقه بجدارة من بين الولاة إلى ما هو أبعد من الولاية، فقد استطاع أن يجعل من إقليم الشام الإقليم المهيَّأ لقيادة بقية الأقاليم في الدولة الإسلامية بما عمَّق فيه من حسن الطاعة للقيادة، وبما ثبَّت فيه من دعائم الاستقرار، وقطعه لأسباب الفتنة وعوامل الفرقة فيه، وهذا ما لا نجده في غيره من الأقاليم (١).

فلما رأى معاوية رفض عثمان لما عرض عليه، لم يملك بعد ذلك إلا أن يوصي الصحابة في المدينة به خيراً من بعده.

فعن موسى بن طلحة، قال: «أرسل عثمان إلى طلحة يدعوه، فخرجتُ معه حتى دخل على عثمان، وإذ علي وسعد والزبير وعثمان ومعاوية، فحمد الله معاوية وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أنتم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وخيرته في الأرض، وولاة أمر هذه الأمة، لا يطمع في ذلك أحدٌ غيركم، اخترتم صاحبكم عن غير غلبةٍ ولا طمع، وقد كبرت سنه، وولى عمره، ولو انتظرتم به الهرم كان قريبا، مع أني أرجو أن يكون أكرم على الله أن يبلغ به ذلك، وقد فشت قالةٌ خِفتُها عليكم، فما عتبتم فيه من شيءٍ فهذه يدي لكم به، ولا تطمعوا الناس في أمركم، فو الله لئن طمعوا في ذلك لا رأيتم فيها أبداً إلا إدباراً» (٢).

ولقد قام الصحابة رضوان الله عليهم بما يمكن أن يقوموا به للدفاع عن عثمان، إلا أن الخليفة الراشد - رضي الله عنه - لم يكن يحب أن تهراق قطرة دم بسببه، فكان يرد من جاء من أصحابه للدفاع عنه، حتى استطاع الثوار المتمردون أن يتسوَّرُوا عليه بيته، ويتكالبوا عليه، ويقتلوه في شهر ذي الحجة، من سنة خمسٍ وثلاثين من الهجرة.


(١) أثر العلماء في الحياة السياسية لعبد الله الخرعان (ص: ٧٦).
(٢) إسناده ضعيف: أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة (٣/ ١٠٩٠)، والطبري في تاريخه (٤/ ٣٤٤)، وفي سنده إسحاق بن يحيى بن طلحة، ضعيف، كما في التقريب (٣٩٠).

<<  <   >  >>