للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي الْجمع) بَين قولي الْمَانِع والمجيز (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن قطعيته بذلك (فَمَمْنُوع) كَونه قَاطعا (عِنْدهم) أَي المجزين (كَيفَ وَقد ادّعوا الْوُقُوع) قَالَ الشَّارِح: ثمَّ لقَائِل أَن يَقُول: إِن كَانَ النَّهْي خطابا حَال سكره فنصّ، وَإِن كَانَ قبل سكره كَمَا هُوَ التَّأْوِيل الأول استلزم أَن يكون مُخَاطبا فِي حَال سكره أَيْضا، إِذْ لَا يُقَال للعاقل: إِذا جننت فَلَا تفعل كَذَا، لِأَنَّهُ إِضَافَة الْخطاب إِلَى وَقت بطلَان أَهْلِيَّته، وَأَيْضًا كَمَا أَفَادَهُ المُصَنّف رَحمَه الله أَنه لَو لم ينسحب هَذَا الْخطاب بِالتّرْكِ عَلَيْهِ حَال سكره لم يفد لَهُ، وَإِن كَانَ تَوْجِيه الْخطاب فِي حَال صحوه لَكِن الْمَطْلُوب التّرْك فِي حَال سكره، وَهَذَا معنى كَونه مُخَاطبا حَال سكره انْتهى.

وَلَا يخفى أَن التَّوْجِيه الأول حَاصله لَا تشرب الْمُسكر وَلَا معنى لاستلزامه كَونه مُخَاطبا بترك الصَّلَاة حَال السكر فَالْتبسَ عَلَيْهِ فَتوهم أَنه عين مَا أولُوا بِهِ من أَن خطاب ترك الصَّلَاة حَال السكر إِنَّمَا توجه إِلَيْهِم قبل السكر، فأورد عَلَيْهِ مَا أوردهُ على ذَلِك، وَمَا أَفَادَهُ المُصَنّف من أَن الانسحاب الْمَذْكُور إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِك لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى التَّأْوِيل الأول، ثمَّ قَالَ: وَقَالَ السُّبْكِيّ تعقبا للتأويل الأول: وَلقَائِل أَن يَقُول هَذَا صَرِيح فِي تَحْرِيم الصَّلَاة على المنتشي مَعَ حُضُور عقله بِمُجَرَّد عدم التثبيت، وَلَا يعْمل من قَالَ بِهِ، ثمَّ قَالَ: وَالْحق الَّذِي نرتضيه مذهبا أَن من لَا يفهم أَن كَانَ لَا قابلية لَهُ كَالْبَهَائِمِ فامتناع تَكْلِيفه مجمع عَلَيْهِ سَوَاء خطاب التَّكْلِيف وخطاب الْوَضع، فَإِن كَانَت لَهُ قابلية فإمَّا أَن يكون مَعْذُورًا فِي امْتنَاع فهمه كالطفل والنائم وَمن أكره على شرب مَا أسكره فَلَا تَكْلِيف إِلَّا بِالْوَضْعِ، وَإِمَّا أَن يكون غير مَعْذُور كالعاصي يسكره فيكلف تَغْلِيظًا عَلَيْهِ، وَقد نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله على هَذَا، وَيشْهد لتفرقتنا بَين من لَهُ قابلية وَمن لَا قابلية لَهُ إِيجَاب الضَّمَان على الْأَطْفَال دون الْمَيِّت، فَإِن أَصْحَابنَا قَالُوا: لَو انتفخ ميت وتكسرت قَارُورَة بِسَبَب انتفاخه لم يجب ضَمَانهَا انْتهى، وَقَوله تعقبا للتأويل الدَّال أَيْضا مَبْنِيّ على الالتباس وَكَانَ وَقع فِي كَلَام الْقَوْم أَيْضا تَأْوِيلَانِ: أَولهمَا مَا الْتبس عَلَيْهِ أَولا، وَثَانِيهمَا عين الثَّانِي فِي هَذَا الْكتاب، وَهَذَا الَّذِي تعقبه السُّبْكِيّ. (هَذَا، واستلزم) القَوْل بِأَن الْفَهم شَرط التَّكْلِيف (اشْتِرَاط الْعقل الَّذِي بِهِ الْأَهْلِيَّة) للتكليف (فالحنفية) قَالُوا: الْعقل (نور) يضيء بِهِ طَرِيق (يبتدأ بِهِ) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالْجَار وَالْمَجْرُور فِي مَحل الرّفْع (من مُنْتَهى دَرك الْحَواس) قَالَ صدر الشَّرِيعَة فابتداء دَرك الْحَواس ارتسام المحسوس فِي الحاسة الظَّاهِرَة، ونهايته ارتسامه فِي الْحَواس الْبَاطِنَة فَحِينَئِذٍ بداية تصرف الْقلب فِيهِ بِوَاسِطَة الْعقل بِأَن يدْرك الْغَائِب من الشَّاهِد وتنتزع الكليات من تِلْكَ الجزئيات المحسوسة إِلَى غير ذَلِك من تمثيلات وَبَيَان مَرَاتِب للنَّفس الناطقة فَأفَاد المُصَنّف رَحمَه الله جَمِيع ذَلِك وَزَاد عَلَيْهِ فَقَالَ (فيبدو) أَي يظْهر (بِهِ) أَي بذلك النُّور (الْمدْرك) بِصِيغَة الْمَفْعُول (للقلب) ثمَّ فسر الْقلب بقوله (أَي الرّوح

<<  <  ج: ص:  >  >>