للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد شهد هذا الكمال والوفاء بكل شيء، حتى الخصوم من الأمم الأخرى، فقد قال أحد اليهود لسلمان الفارسي -رضي الله عنه-: "قد علّم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة، فقال: أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول" (١)، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد علم الأمة حتى الخراءة فإنه من باب الأولى أن يعلمهم كليات هذا الدين، وهذا ما يعتقده أهل السنة اعتقاداً جازماً، لا تزلزله الشبهات، ولا تزعزعه الفتن، وقد تضافرت أقوالهم على هذا: يقول ابن حزم: "كتاب الله عز وجل .. هو جامع علوم الأولين والآخرين .. لم يفرط فيه من شيء .. من فهمه كفاه، وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم هي بيان الحق ونور الألباب" (٢)

ويقول ابن تيمية: "فكل ما يحتاج الناس إليه في دينهم فقد بينه الله ورسوله بياناً شافياً" (٣)

وقد ظهرت أهمية هذه القاعدة، وفائدتها العظيمة لدى علماء السلف في مجال دراسة الأديان، لا سيما في المقارنة بين الإسلام وبين اليهودية والنصرانية.

[٣ - أصول الدين واحدة لا نسخ فيها ولا في الأخبار]

إن معرفة ما يدخله النسخ مما لا يدخله من الشريعة، أمر في غاية الأهمية، لأنه من خلاله يدرك أن النسخ لا يستلزم على أمر محال؛ وإنما يكون لحكمة ومصلحة، كما يعرف به كذب من يدعي نسخ ما لا يدخله النسخ من أمور الدين، وحقيقة الأمر أن الشريعة نوعان:

الأول: خبر: ويدخل فيه كل ما أخبر الله تعالى أنه سيكون، أو كان، أو وعدنا، أو قص علينا من أخبار الأمم الماضية، وما قص علينا من أخبار الجنة والنار، والحساب، والعقاب، والبعث والحشر، وخلق السماوات والأرض .. وكذلك ما أخبرنا الله تعالى به عن ذاته وصفاته، وأفعاله، فهذا وشبهه من الأخبار المحضة لا يجوز دخول النسخ عليه (٤).

الثاني: الأوامر والنواهي يجوز دخول النسخ فيها شريطة ألا تتعلق بالاعتقادات، وأمهات الأخلاق وأصول العبادات والمعاملات، لأن الشريعة مبنية على حفظ هذه الكليات (٥).


(١) أخرجه مسلم: كتاب الطهارة، باب الاستطابة ص ١٢٩، رقم الحديث ٢٦٢.
(٢) انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل ٢/ ٢٣٤ بتصرف.
(٣) مجموع الفتاوى ٢/ ٢٣٧.
(٤) انظر: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه أبي محمد مكي ابن أبي طالب القيسي تحقيق أحمد حسن فرحان، ص ٥٧، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الطبعة الأولى.
(٥) المصدر السابق ص ٧٥، مناهل العرفان في علوم القرآن لمحمد عبدالعظيم الزرقاني، ص ٢/ ٢١١، مطبعة عيسى البابي الحلبي. مباحث في علوم القرآن للشيخ مناع القطان، ص ٢٣٣، مؤسسة الرسالة الطبعة الثانية والثلاثون.

<<  <   >  >>