للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما قوله: "إلا أنهم لا يسبون" فهذا معلوم لا يخالف فيه أحد من المسلمين أجمعين.

وأما قوله: "ولا يقتل جريحهم ولا مدبرهم" فقد أخرج الحاكم وصححه البيهقي من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن مسعود: "يا ابن أم عبد: ما حكم من بغى من أمتي؟ " قال: الله ورسوله أعلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتبع مدبرهم ولا يجهز على جريحهم ولا يقتل أسيرهم"، وفي إسناده كوثر بن حكيم وهو ضعيف قال البيهقي هذا الحديث ضعيف انتهى ولكنه يقويه ما أخرجه ابن أبي شيبة والحاكم والبيهقي من طريق عبد خير عن علي بلفظ نادى منادي علي يوم الجمل ألا لا يتبع مدبرهم ولا يذفف على جريحهم وأخرج سعيد بن منصور عن مروان بن الحكم قال صرخ صارخ لعلي يوم الجمل لا يقتلن مدبر ولا يذفف على جريح ومن أغلق بابه فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن قال ابن حجر قد صح عن علي من طرق وأخرج البيهقي عن أبي أمامة قال: شهدت صفين فكانوا لا يجيزون على جريح ولا يقتلون موليا ولا يسلبون قتيلا وأخرج أيضا عن أبي فاختة أن عليا أتي بأسير يوم صفين فقال: لا تقتلني صبرا فقال: لا أقتلك صبرا إني أخاف الله رب العالمين ثم خلى سبيله وفي الباب آثار كثيرة عن علي لأنه ابتلي بقتال البغاة على اختلاف أنواعهم.

قوله: "إلا ذا فئة أو لخشية العود".

أقول: ظاهر الحديث المتقدم قريبا والآثار عن علي أنه لا يتبع مدبرهم ولم يثبت التقييد بأن لا يكون ذا فئة أو يخشى عوده فالواجب الوقوف على ما دلت عليه الأدلة وإن كان الباغي هاربا إلى فئة أو خشي عوده وتخصيص الدليل بمجرد الرأي غير مقبول على أنه لا يحتاج إلى الاستدلال على عدم جواز قتل الهارب من البغاة بما ذكرناه بل يكفي في ذلك العصمة الإسلامية الثابتة بمثل قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" والباغي مسلم معصوم الدم والمال وإنما جاز قتاله ما دام باغيا مقاتلا لقوله عزوجل: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات: ٩] ، فلا يجوز قتال الباغي ولا مقاتلته إلا حال الحرب لا بعد الهرب رجوعا إلى العصمة الإسلامية.

قوله: "كلكل مبغي عليه".

أقول: ليس معنى البغي مختصا بنوع منه دون نوع أو بطائفة دون طائفة بل يشمل كل من حصل منه البغي سواء كان البغي منه على الإمام أو على طائفة من المسلمين أو على فرد من أفرادهم فإن ذلك يندرج تحت قوله عزوجل: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} .

قوله: "ولا يغنم من أموالهم" الخ.

أقول: البغاة مسلمون فاموالهم من غير فرق بين ما حضروا به معهم في القتال وما لم يحضروا به معصومة بالعصمة الإسلامية فمن ادعى أن شيئا منها قد خرج عن العصمة

<<  <   >  >>