للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الواضح الجلي في إفادة تقديم المسند إليه التخصيص في حالة الإثبات هذه قولهم في المثل المشهور: أتعلمني بضب أنا حرشته، حرش الضب واحترشه؛ أي: صاده بالحيلة المعروفة، وهو أن يحرك الصائد يده على باب جحره؛ ليظنه حي ًّا فيخرج ذنبه ليضربها فيأخذه، وهذا المثل يضربه العالم بالشيء لمن يريد تعليمه إياه، فتقديم المسند إليه هنا يفيد التخصيص؛ أي: أن حرش الضب مقصور على المتكلم ومنفي عن غيره بمعنى: ما حرشه إلا أنا، وعليه قول الله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} (التوبة: ١٠١) أي: لا يعلمهم إلا نحن ولا يطلع على أسرارهم غيرنا؛ لإبطانهم الكفر في سويدوات قلوبهم، أما إن أردت بقولك: محمد سعى في حاجتي، مجرد إثبات الحكم للمسند إليه ولم تقصد الرد على معارض، كان الكلام مفيدًا لتقوي الحكم وتقريره في ذهن السامع لا غير.

ونظير ما سبق قولك: محمد يعطي الجزيل، فأنت لا تريد بهذا القول أن غيره لا يعطي الجزيل حتى يكون مفيدًا للتخصيص، بل تريد أن تحقق للسامع، وتؤكد له أن إعطاء الجزيل دأبه وعادته، وأن هذا الوصف قد تمكن من نفسه فضل تمكن.

ومن الأساليب التي دل المقام والسياق على أن التقديم فيها مفيد للتقوي فقط بمعونة السياق قول الشاعر:

هم يفرشون اللبد كل طمرة ... وأجرد سباح يبذ المغاليا

اللبد الشعر المتبلل الذي يوضع على ظهر فرس تحت السرج، والطمرة: هي الفرس الكريمة، والأجرد: القصير الشعر، والسباح الذي يشبه جريه السباحة في اللين، يبذ يعني: يغلب، المغاليا يعني المبالغ في العدو والسير، لا يريد الشاعر أن

<<  <   >  >>