للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبهذا يتضح لك أن المقام قد يقتضي عدم تناسب الجملتين فيما ذُكر، وعندئذ يكون الحسن فيما اقتضاه المقام ودعا إليه الحال.

على أن ما ذكرناه آنفًا من أن الواو لما فيها من معنى المغايرة، فهي تؤذن بالاستقلال، يعني أن القائل عندما يقول: جاء زيد وغلامه يسعى بين يديه، قد أخبر إخبارين؛ أخبر بمجيء زيد ثم بحاله عند المجيء، وهذا من شأنه أن يُؤكد جملة الحال، وأن يفيد شدة لصوقها بصاحبها، أما إذا قال القائل: جاء زيدٌ غلامه يسعى بين يديه، فهو يُخبر خبرًا واحدًا؛ يخبر عن مجيءٍ هذه حاله وتلك هيئته، تأمل قول عبد القاهر: "وإذ قد عرفت هذا فاعلم أن كل جملة وقعت حالًا، ثم امتنعت من الواو؛ فذاك لأجل أنك عمدت إلى الفعل الواقع في صدرها، فضممته إلى الفعل الأول في إثباتٍ واحد، وكل جملة جاءت حالًا ثم اقتضت الواو، فذاك لأنك مستأنف بها خبرًا وغير قاصد إلى أن تضمها إلى الفعل الأول في الإثبات". تفسير هذا: أنك إذا قلت: جاءني زيدٌ يسرع، كان بمنزلة قولك: جاءني زيدٌ مسرعًا، في أنك تثبت مجيئًا فيه إسراعٌ، وتصل أحد المعنيين بالآخر، وتجعل الكلام خبرًا واحدًا، وتريد أن تقول: جاءني كذلك، وجاءني بهذه الهيئة.

وإياك أن يلتبس عليك الأمر، تظن أن جملة الحال قد انفصلت بهذه الواو عن صاحبها، وتباعدت عنه، إن الأمر على عكس هذا؛ لأن هذه الواو قد قربت الحال من صاحبها وأبرزتها جلية واضحة شديدة الالتصاق به، مؤكدة الانتساب إليه، وإذ قد عرفت ذلك فاعلم أن الجملة الحالية قد يجب اقترانها بالواو وقد يمتنع وقد يجوز، فإذا كانت الحال جملة فعلية فعلها مضارع مثبَت غير مقرون

<<  <   >  >>