للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جواز الدخول إلى بيت الغير أو ملكه للضرورة]

قال أبو هريرة: (فكنت أول من فزع فرأيت حائطاً لبني النجار) والحائط هو البستان الذي عليه سور- فبحث أبو هريرة عن مدخل لهذا لحائط، فلم يجد غير ربيع في أصل الجدار، والربيع هو الجدول، كأنها كانت قناة ماء تمر بأسفل الجدار على هيئة القبو، لذلك قال أبو هريرة: (فاحتفزت كما يحتفز الثعلب)، أي: أنه ضم أطرافه بعضها ببعض حتى يتمكن من الدخول من هذا الجدول، وفيه دليل على أنه يجوز للمسلم أن يدخل بيت غيره أو ملك غيره بغير إذنه لضرورة؛ لأن الأصل أنه لا يجوز لك أن تدخل بيت غيرك أو ملك غيرك إلا بإذن، وفي صحيح البخاري ومسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً ينظر من نافذة حجرته وكان بيده آلة حادة، فقال له: (لو رأيتك وأنت تنظر لطعنت بها في عينك ولا دية لك، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر، فإذا دخل البصر فلا أذن) لم جعل الاستئذان؟ حتى لا يقع بصرك على عورات الناس، فإذا دخل البصر فما قيمة الإذن، ما قيمة أن تنظر وتتسمع كلام الناس ثم تدق الباب؟! إنما جعل الاستئذان من أجل ألا يسبق بصرك إلى عورات الناس، ولذلك قال: (لو رأيتك لطعنت بها في عينك ولا دية لك) أي: لو رأيت رجلاً ينظر في بيتك بغير إذنك فطعنته في عينه فذهبت فلا دية له، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر، هذا هو الأصل، لكن هب أنك سمعت صراخاً في بيت الجار واستغاثة، أو رأيت حريقاً أو أي شيء ضار، فالاستئذان لا يسع في هذا، ولكن ادخل، وهذا خروج عن الأصل للضرورة ودليله هذا الحديث، أن النبي عليه الصلاة والسلام لم ينكر على أبي هريرة، فلم يقل له: كيف تدخل ملك الناس بغير إذن، هل استأذنت؟! فلما لم يقل النبي عليه الصلاة والسلام ذلك دل على جوازه، فإنه صلى الله عليه وسلم لا يسكت عن الخطأ: (قال: أبو هريرة؟ -على سبيل الاستفهام وتقديره: أنت أبو هريرة - قال: نعم يا رسول الله! قال: ما جاء بك؟ قال: اقتُطعت دوننا وخشينا أن تصاب بأذى، وهؤلاء أصحابي على أثري -أي: يبحثون عنك معي- فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: اذهب بنعليَّ هاتين، فمن لقيته خلف هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة).

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.