للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جباية الزكاة وترك الضرائب والمكوس من الأخذ بالأسباب]

الضرائب هل هي حلال الآن في الوضع الحالي، أسأل الله مخلصاً أن يوصلها من يسمعها إلى أولياء الأمور،؟

الجواب

لا.

هي حرام في الوضع الحالي، وأرجو أن نضع تحت كلمة (الوضع الحالي) خطوطاً كثيرة خطاً، لماذا؟ لأن التفصيل سيبينها بعد ذلك، وطالما أننا نتكلم باسم الإسلام إذاً لابد علينا أن نأتي بآية أو حديث.

نحن نعلم أن دم المرء وماله وعرضه كله معصوم، لا يحل شيء منه إلا بشيء يفيد الحل، فما الذي يحل من مال العبد وجوباً رغم أنفه؟ الزكاة.

هناك رجل أخرج زكاة ماله، هل لأحد أن يجبره على دفع شيء غير الزكاة؟ الجواب: لا.

الشرع يقول: لا يحل جبر المرء على دفع شيء إلا الزكاة.

شخص يدفع زكاته، هل تجبره على صدقة؟ لا.

هل تجبره على ضريبة؟ لا.

سيقولون لك: معنى ذلك أنك ستغلق مكتب الضرائب، وهناك رواتب كثيرة جداً، ومصالح سوف تتعطل، فهذا من الضرر الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار) وجاءت الشريعة بدفع المضار وجلب المنافع، وهكذا دواليك.

فنقول له: هل جبيت الزكاة أولاً، ثم وجدت أن أموال الزكاة لا تفي؟ الجواب: لا.

إنه لم يكلف خاطره بجباية الزكاة من أحد؛ لذلك لا يجوز أن توضع الضريبة مكان الزكاة أبداً، لأن الزكاة أصبحت غير واجبة، والإنسان فيها مخير، والضرائب إذا لم يدفعها يدخل السجن، أي كلام هذا؟! الذي نعرفه من الآيات والأحاديث أن الشخص إذا لم يدفع الزكاة فإنه يقتل ولا يسجن، أبو بكر الصديق رضي الله عنه لما حارب المرتدين من أجل ماذا حاربهم؟ هل كفروا بجميع شرائع الدين؟ لا.

بل كانوا يقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وكانوا يصلون، وقالوا: سنحج، لكن فهموا أن الزكاة كانت تؤدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، فلما مات ارتفعت، وتأولوا -تأويلاً باطلاً- قوله تبارك وتعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة:١٠٣] أي: خذ يا محمد، فهذه خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وطالما مات فلن ندفع الزكاة.

قال الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم، فهل نقولها أم لا؟! {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي} [الأنعام:١٦٢] كل هذه الأوامر موجهة للرسول عليه الصلاة والسلام فقط أم موجهة له حتى يبلغها أمته؟ فـ أبو بكر الصديق قال: (والله لو منعوني عناقاً - وفي رواية أخرى: عقال بعير- كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم على منعه) وقامت الحروب المعروفة بسبب الزكاة.

فليس لعبد خيار أن يقول: أدفع الزكاة أم لا؟ ليس له في هذا خيار! إما أن يدفع الزكاة وإما أن يموت مباشرة، هذا هو الذي عليه جميع العلماء، خلافاً لـ أبي حنيفة.

فلو أنهم يجمعون أموال الزكاة كلها أكاد أجزم أنهم لن يحتاجوا شيئاً، لماذا؟ لأن كل شخص يعلم أن الضرائب تقدر جزافاً ليس لها قانون، فلو دخل مسئول الضرائب عيادة طبيب وقدر أنه جاء وفد زيارة من بلد، فعدهم كمرضى وبدأ يحسب على كل شخص ويضرب الحسابات، وكلما زاد كلما يأخذ عمولة، وبالتالي يجتهد في فرض أقصى ضريبة يستطيعها.

كذلك: أنا أعرف أنني مظلوم، والشريعة تقول لي: ادفع عن نفسك الظلم ما استطعت، إذاً ماذا أفعل؟ ليس لي حيلة إلا أن أبحث عن شخص وأدفع له مالاً مقابل أن يسقط عني الضريبة، أو يحرق لي الملف -لا يوجد مانع- أو أن أرفع طعناً وإثبت أنه ليس عندي أي مال، وأنني سأموت من الجوع، ثم أذهب هناك وبطريقة معينة أتملص، لكن الزكاة هل يستطيع أحد أن يفعل ذلك؟ لا.

لأنها بين العبد وربه، فهناك قلب يحرك الإنسان فيدفع الزكاة مباشرة، ولذلك في مسألة الزكاة بعض الناس يأتي فيسأل ويقول: أنا أدفع الزكاة بزيادة، هل هذا جائز؟ أقول له: هذا جائز ولك الفضل، لكنه لا يقول: أنا أدفع الضرائب وزيادة، لماذا؟ لأنه في الزكاة يقول لك: أنا أريد أن أرضي ربي، فإذا كان عندك باب مفتوح من السماء، وهناك قلب يحرك العبد، وأنت ضامن أنه لن يغش، فلو غش صار إنساناً فاسقاً، لكن أنت ضامن أن عنده ضمير يحركه، والزكاة أموالها كثيرة جداً، أضف إلى ذلك أن فيها بركة، النبي عليه الصلاة والسلام لما أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن قال له بعد ذكر الصلاة: (فإن هم أجابوك إلى ذلك فأخبرهم أن الله قد افترض على أغنيائهم صدقة ترد على فقرائهم -ثم قال لـ معاذ - وإياك وكرائم أموالهم) انتبه أن تأخذ أحسن شيء في أموالهم! بل الذي يدفعوه خذه، لا تقل له: لا، أنت أعطيتني من السيء، هذا شيء لا يعينك.

الله عز وجل أدب المؤمنين قبل ذلك فقال: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة:٢٦٧] انظر إلى تربية النفس! يقول للمؤمنين: إذا كنت تريد دفع الزكاة أو الصدقة فلا تدفع أسوأ شيء: {وَلا تَيَمَّمُوا} أي: لا تتوجهوا إلى الخبيث من أموالكم فتأخذوه فتدفعوه للفقراء، {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} أي: ضع نفسك مكان الفقير، لو أعطاك شخص فولاً مسوساً هل تأخذه؟ تأخذه وأنت مغمض العينين ليس لك رغبة في أخذه؛ لأنك لو أخذته ماذا ستعمل به؟! {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة:٢٦٧] لو كنتم مكان هؤلاء الفقراء لأخذتموه على إغماض.

فأدب المؤمنين أولاً ألا يتيمموا الخبيث لكن يخرجوا من كل المال جيده ورديئه، لذلك قال لـ معاذ: (وإياك وكرائم أموالهم) لا تأخذ حاجة نفيسة من عندهم غصباً، انظروا إلى الكلام يا إخواننا! كلام منظوم، كأنه در يتلألأ، ثم قال له: (واتق ودعوة المظلوم)، لو أن الجابي أخذ كرائم أموالهم رغماً عنهم فقد ظلمهم، ولو أن أي دولة في الدنيا كان بوسعها أن تعين شرطياً على كل رجل ما استطاعت أن تخرج الضريبة مائة في المائة.

المسألة مسألة مراقبة، فالشرطي وإن قعد إلى جانبي لن يعرف شيئاً، أذكر قصة حدثت في الخمسينات عندما كان يحصل تحقيق مع المساجين، ويدخل مسجون جديد في غرف التحقيق -التي هي جهنم الأرض، نسأل الله العافية- فالجماعة القاعدون من الإخوان -وما أقصد جماعة الإخوان المسلمين فقط- يريدون أن يعلموا هذا السجن الجديد، لأنه لا يعرف شيئاً، يريدون أن يقولوا له: لا تقل كذا وقل كذا لكن هناك حراس واقفون، فكيف يعملون؟ يقولون له التعليمات بالتجويد: (إذا جآءك المُحقِّقُ فَقَالَ كذا وكذا) فكان يظن الحرس أن هذا من القرآن، لأنهم لا يعلمون شيئاً منه فيفهم الجديد المقصود فلو أن أي إنسان عنده أي قراءة -ولو متباعدة- لكتاب الله عز وجل لعرف أن هذا ليس بقرآن.

فإذا كان الله تبارك وتعالى كفاك مؤنة هذا الصنف، فلماذا تسد على نفسك الباب؟ اجب الزكاة أولاً، فإن وجدت أن الزكاة لم تف قل للناس حينئذٍ: المصارف الفلانية ليس عندها مال، نحتاج إلى مليار أو مليارين، فعلى كل فرد مبلغ محدد من المال نرجو المبادرة، وسنفرض هذا الأمر إلى حين سداد العجز ويرتفع هذا القانون.

فهذا كلام مشروع؛ لأن المصلحة إذا لم تتحقق إلا بذلك لا يكون إلا ذلك، و (مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، و (الوسائل لها أحكام المقاصد).

أنا أذكر أنني كنت أعمل في بعض المحلات يوماً ما، ويوم (١/ ٥) علاوة العمال، فقالوا: لا يوجد مال كافٍ للعلاوة، فصدر قرار -والقرار هذا خاضع للبلديات- غرامات أشغال طريق على كل المحلات، لماذا؟ أهو ينام في الشارع حتى يدفع غرامات أشغال الطريق؟ لماذا يدفع ثلاثمائة جنيه أشغال طريق؟ أنا بيني وبين الطريق عشرة أمتار! ليس لك إلا خيار من اثنين: إما الدفع وإما الحبس، يعني: شخص يمشي في الطريق فوجد لصاً فقال له: أخرج المال وإلا قتلتك، ماذا يعمل؟ يفتدي نفسه بماله، وهكذا جمعت العلاوة، فأنا لا بأس أن أدفع ولكن أريد أن أقتنع، يجب أن أعلم لماذا دفعت؟! هذا الكلام كله يترتب عليه أشياء في النفس حتى يصل الإنسان إلى قناعة أنه يُسرق، وينتج من هذا الفعل مسألة انعدام الولاء لأي شيء، لا يوجد ولاء أبداً، كلٌ يقول: أنا فقط.

عندما تأتي بعد كل هذه الأعمال وتقول: يا جماعة! انزعوا الحقد! كيف أنزعه وأنا أراه أمامي ليل نهار؟ لكن لو جئت إلى شخص وقتلته أمام إخوانه كلهم؛ لأنه لم يدفع الزكاة، لقالوا: يستحق ذلك؛ لأن ربنا أمره بدفع الزكاة فلم يدفع، ولله المثل الأعلى، ويقال: ضرب الحكومة ليس عيباً يعني: لو ضرب شخص من قبل رجال الحكومة فهذا لا يعد عيباً، لكن لو ضرب من جاره فهذا عيب، أي: أن الإنسان إذا عوقب من جهة عليا ليس له فيها خيار يتسلى بهذا الكلام، وإلا فالضرب عيب، لماذا ضرب الحكومة ليس عيباً؟ لأنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً.

فكذلك العبد ولله المثل الأعلى، إذا جاءت له مصيبة من السماء يقول: ليس بيدي شيء، نحن مؤمنون بالقضاء والقدر، وقد يكون هو غير راضٍ من الداخل، لكن لابد أن يسلي نفسه طالما أنه ليس بإمكانه أن يفعل شيئاً.

إذاً: الضريبة هذه كان بإمكان الرسول عليه الصلاة والسلام أن يفرضها على الصحابة أم لا؟ كان بإمكانه أن يفرضها على الصحابة، لكن لماذا لم يفرضها؟ ما احتاج إليها مع وجود الزكاة.

فنحن نقول: يجب على أولياء الأمور جباية الزكاة، من لم يدفع فليتقرب هذا الولي إلى الله بدم هذا الإنسان العاق لربه تبارك وتعالى، إذا لم يكف هذا المال لسد الحاجة، هنا يجب عليه فرض ضرائب من أجل أن يفك هذه الورطة، ولكن بعد ذلك ترجع المسألة كما كانت، وهكذا دواليك.

إذاً: الأسباب يا إخواننا لابد أن تكون مشروعة، تقصيرنا فيها علامة على وجود الذل، والأمثلة التي ضربناها تقصير في الأسباب، الزكاة سبب للغنى، فعندما قصرنا في السبب ذهب عنا الغنى ودام الفقر واستمر.

كما أن تسوية الصف سبب لاجتماع القلوب، وتقصيرنا في تسوية الصف أدى إلى اختلاف القلوب، فإذا أردت أن توجد القلوب ساوي الصف، تريد الغنى أن يرجع ادفع الزكاة، وإذا أر