للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حرص الإسلام على تقوية روابط الأخوة بين المسلمين]

حرص الإسلام على أن يجعل شعائر جماعية للمسلمين حتى تذكرهم بهذه الآصرة القوية برحم الإسلام، فجعل شعيرة يومية: وهي الصلوات الخمس، وأسبوعية: وهي صلاة الجمعة، وسنوية وهي الحج؛ لأن الإنسان ينسى، وقد قال ابن عباس: (إنما سمي الإنسان إنساناً لكثرة نسيانه)، وكما قال الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه:١١٥]، فهل استفاد المسلمون من هذه الشعائر في تقوية روابط الأخوة فيما بينهم؟ أم أنهم ينسون بعد كل اجتماع فيحتاجون إلى تذكير آخر؟ فلذلك جعل الله شعائر الاجتماع على فترات، فبعد الصلوات الخمس تأتي شعيرة الجمعة، وبعد الجمعة تأتي شعيرة الحج.

لماذا تفرق المسلمون اليوم؟ ولماذا صار المسلمون وحدهم هم الذين يطعنون ويضربون؟ لماذا أصبح دمهم أرخص دمٍ في العالم؟ أدمهم أرخص من دم عباد البقر ومن دم أولاد القردة والخنازير؟ أدمهم أرخص من دم عابد الحجر؟ لماذا رخص دمهم؟! لأنهم ليس لهم كيان، وليست لهم دولة على وجه الأرض هذه هي الحقيقة وإن كانت مرة.

أذل شيء على الإنسان -إذا كان حراً- أن يكون ضعيفاً، هذا هو الذي يذل الحر ويكسر نفسه.

في البوسنة والهرسك قتل منهم ثلاثة عشر ألف رجل مسلم بيد النصارى، ومجلس الأمن يفكر في عقد اجتماع، بينما أحداث الخليج لم تستغرق أكثر من أسبوع حتى حسمت القضية.

هل يجهلون هؤلاء الألوف الذين يقتلون؟ وبعض الناس يغضب من ظاهرة عدم وجود المسلمين، فأقول له: حنانيك بعض الشر أهون من بعضه، أليس من عدة أشهر سب رسول الإسلام على صفحات الصحف العربية ووصف بأنه أحمق! ولم يتحرك أحد؟! ليست هناك دولة تتبنى هذا الرسول؟! يسب، ويكتب صاحب المقال اسمه، ومقر الصحيفة معروف، ومع ذلك ما فعل أحدٌ شيئاً، والرجل آمن في داره، والصحيفة ما زالت تصدر حتى الآن بم يفسر هذا؟! إن بعض الناس الآن إذا أراد أن يتكلم على رئيس دولةٍ عظمى لا يكتب اسمه؛ لأنه لا يأمن غوائله، هذا يدل على ضعف شديد جداً، المسلمون لا ينطقون على ساحة العالم، ماذا استفادوا من الاجتماعات الأسبوعية واليومية والسنوية؟ قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:١١] (حتى يغيروا ما) وليس (حتى يغيروا أنفسهم) لأن الله تبارك وتعالى يوم خلق الناس خلقهم على الفطرة، فالفطرة هي الإسلام، لكن إذا طال به العهد اجتالته الشياطين عن هذه الفطرة، فهذا هو الذي عناه ربنا تبارك وتعالى بقوله: (حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)، أي: حتى يغيروا الذي علق بأنفسهم.

المؤمنون كرجلٍ واحد فهل شعرت بعضو من بجسدك ينضح عليك بالألم، وأنت تسمع أن ثلاثة عشر ألف مسلم يقتلون في عدة أشهر؟ هل المؤمنون الآن كرجلٍ واحد؟ لا.

إن عمورية فتحت لأن رجلاً يهودياً فعل شيئاً لا يساوي ذرة على الشمال مما فعله اليهود بالمسلمين الآن، فالذي حدث في عمورية هو أن امرأة مسلمة كانت في السوق تشتري، فعصب أحد اليهود طرف إزارها من خلف حتى إذا قامت انكشفت سوءتها، فصاحت المرأة وهي في السوق: وامعتصماه! فكيف علم المعتصم بأمرها؟ سمعها مسلم عنده عزة الإسلام، فقال: والله لأبلغنها المعتصم! ورحل الرجل يركب الأيام والليالي حتى وصل إلى المعتصم، وقال له الذي سمع، فتحركت النخوة في دم المعتصم، لفتح عمورية، وساق إليها الجيوش الجرارة لامرأة ظهرت سوءتها.

ولقد أظهر اليهود اليوم عورات نساء المسلمين؛ لأنهم ملوك الموضة، وهل الذي نراه في شوارع المسلمين إلا من غرس أيديهم؟! فإنك عندما تنزل بلاد المسلمين، ثم تنزل بلاد الكافرين لا ترى فرقاً بينها، أين عزة الإسلام؟ إن المسلمين لم يستثمروا هذه الاجتماعات؛ فإنك تجد المسلم يصلي بجانب أخيه خمس سنوات وهو لا يعرف اسمه ولا نسبه ولا داره، ولا يزوره، وهو يراه في كل صلاة، فلماذا شُرعت إذاً الصلوات الخمس في جماعة؟ ألمجرد أن نقف بجانب بعض فقط؟ لا.

كان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم -وقد استفادوا هذا الخلق من النبي عليه الصلاة والسلام- يعرف بعضهم بعضاً، بحيث لو وطئت قدم رجلٍ غريب المدينة، فإنهم يعلمون به وهذا ظاهر في أحاديث كثيرة؛ من أشهرها حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي انفرد به مسلم، قال: (بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إذ جاءه رجلٌ شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يعرفه منا أحد).

كانوا يحفظون المدينة كلها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتفقد أصحابه، ففي إحدى المرات نظر في وجوه أصحابه فلم ير ثابت بن قيس، فأرسل إليه أنس بن مالك، فوجده معتكفاً في داره يبكي، فقال له: (إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسأل عنك ما حجبك؟ فقال: أنا من أهل النار، حبط عملي، لأنني كنت أرفع صوتي على صوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وكان ثابت جهوري الصوت.

فذهب أنس بن مالك رضي الله عنه يحمل هذا الكلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: بل أخبره أنه من أهل الجنة.

قال أنس: فكان يمشي بيننا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة).