للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[طعام الصحابة في بدر وطعام الكفار]

في معركة بدر خرج أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام يريدون عير قريش، فجمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، كانوا يقتسمون التمرات، لأنهم ما خرجوا لقتال حتى يتأهبوا ويأخذوا معهم الزاد، إنما هي حفنة تمر، وانطلقوا لكي أن يقطعوا على قريش الطريق ويغنموا العير ويرجعوا، ظنوها ساعةً من نهار، وعلى الجانب الآخر خرجت قريش تريد القتال، حتى لما أرسل أبو سفيان إلى مكة بعدما نجا قال لهم: ارجعوا فقد نجت العير ولا حاجة للخروج، لكن تعس قوم رأسهم أبو جهل، قال: لا والله لا بد أن نسير، حتى نرد بدراً فنشرب الخمر وتغنينا النساء، فيسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبداً.

وانطلقوا إلى بدر، وكانوا يأكلون في اليوم الواحد عشرة من الجمال، في الوقت الذي كان أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام يقتسمون التمرة، ويعتقبون البعير، كل واحد يركب مرحلة، لأنهم لا يوجد عندهم ظهر، كل شخص يركب مثلاً نصف كيلو وينزل، وأخوه الثاني يركب نصف كيلو وهكذا، وغلب الذين كانوا يقسمون التمرات على الذين كانوا يأكلون عشرة من الجمال.

يخطئ من يظن أن جودة الطعام هي السبب الرئيس في صحة البدن.

لا.

وإلا لمات الفقير.

بل أنا أقول انظر إلى عامل البنيان الذي يصعد بالخرسانة المسلحة على كتفه، وانظر إلى ساكن القصر الذي قبل أن يأكل لا بد أن يأخذ الحبوب، ويأخذ الدواء، وهذا الرجل فقير، يأكل خبزاً ويأكل جبناً، وبعد أن يأكل يبدأ يمارس العمل الشاق طيلة النهار، الطعام الجيد الفاخر ليس هو السبب الوحيد أبداً في حياة البدن، وإلا لما مرض غني ولما عاش فقير.

فأصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، كانت هذه هي السمة العامة لهم، هل كانوا فقراء؟ لم يكونوا جميعاً كذلك، بل كان فيهم أغنياء، وكانت حياتهم أيضاً هي حياة الزهد.

عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه كما في الحديث الصحيح كان صائماً، فقُرِّب إليه طعام، قال (مات مصعب بن عمير وهو أفضل مني، فلم نجد له بردة نكفنه بها، ومات حمزة وهو أفضل مني، ومات فلان وهو أفضل مني، فلا زال يبكي حتى ترك الطعام)، فـ عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه غناه مشهور، حتى أنهم ذكروا أن الذهب الذي كان يملكه كان يقطع بالفئوس من غناه، وكان إذا قبض قبضة من التراب وتاجر فيها ربح؛ لكن الزهد كان سمة هؤلاء.

والفرق بين هذا الجيل الفريد وبين كثير من الأجيال التي جاءت من بعده، أن الدنيا كانت في أيديهم ولم تكن في قلوبهم، لذلك كان الواحد منهم مستعداً أن يضحي بالدنيا كلها في ساعة فداءٍ لله تبارك وتعالى، ولا يندم عليها، لذلك ما هزموا أبداً، وظلوا سادة حتى ماتوا.

خلودُنا إلى الأرض، هو الذي صنع فينا هذا الذل، وجعلنا في هذا الموقع الذي لا ينبغي لأمة الإسلام أن تكون فيه.