للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صيغة وجوب الحج والتأكيدات الواردة في كتاب الله تعالى لها]

ساق المؤلف رحمه الله أولاً الأحاديث في الترغيب فيه، وبيان فضله: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) ، (نرى الجهاد أفضل الأعمال يا رسول الله! أفلا نجاهد؟ قال: عليكن جهاد لا قتال فيه) ثم جاء بما يبين على من يجب.

والأصل في الوجوب أو الإيجاب هو الكتاب الكريم ثم السنة النبوية المطهرة، وجاء في كتاب الله بيان الفرضية المؤكدة في قوله سبحانه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:٩٧] يرى العلماء: أن هذه الصيغة للوجوب مؤكدة بعدة تأكيدات: اللام، في قوله: (ولله) وهي لام الملك والاستحقاق.

(على) : وهي للاستعلاء والفرضية.

(الناس) : عموم الناس، حتى قال البعض: لقد شملت غير المسلمين؛ لأنهم مطالبون بالإسلام وبفروع الإسلام، وهذا العموم والشمول يؤكد الوجوب والفرضية.

(حج البيت) : تقدم تعريف الحج أنه: القصد إلى معظم، و (البيت) : هو البيت الحرام، وهو الكعبة، وهو البيت العتيق، وهو {أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} [آل عمران:٩٦] ، وهذا البيت جاء في بيان حرمته ومكانته ما لا يحتاج معه إلى مزيد بيان.

(من استطاع) يقول العلماء: (من) هنا بدل البعض من الكل، فالكل: الناس، و (من استطاع) بعض الناس، وهذا بمثابة الاستثناء، وهذا يؤكد الفرضية أيضاً، وتعلق الفرضية بالاستطاعة بيان لهذه الملة الحنيفية في يسرها وسهولتها، قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦] فنجد في جميع التكاليف والعبادات التيسير، قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:١٨٥] فأهم أركان الإسلام الصلاة أي: بعد الشهادتين، حتى في الشهادتين تيسير، قال تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل:١٠٦] .

والصلاة مفتاحها الطهور، فمن عجز عن استعمال الماء رخص له في التيمم، ومن عجز عن القيام رخص له أن يصلي على حسب حالته جالساً أو متكئاً.

والزكاة ما فرضت إلا على الغني الذي يملك نصاباً، ويبقى عنده حولاً كاملاً مستغنياً عنه.

والصيام من كان مريضاًََ أو على سفر فاضطر إلى الفطر للمشقة: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:١٨٤] .

والجهاد: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور:٦١] .

وهنا في الحج: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:٩٧] ، وهنا يسأل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم: ما السبيل؟ الذي شرطت الآية استطاعته في وجوب الحج (من استطاع إليه) ؟ فيفسره صلى الله عليه وسلم لهم بقوله: (الزاد والراحلة) هذا التفسير لو أن الحديث سلم من التضعيف لكان نصاً قاطعاً في تفسير كتاب الله من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن العلماء يقفون من هذا النص المفسر بالمقارنة بينه وبين العمومات الأخرى في كتاب الله، ويقولون: إن قصر الاستطاعة على الزاد والراحلة أسقط شروطاً أخرى، ألا وهي: صحة البدن، وأمن الطريق.